كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

181 - حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثني عثمان بن زفر التيمي، قال: حدثني بهيم العجلي، قال: ركب معنا البحر فتى من بني مرة, من أهل البدو, فجعل يبكي الليل والنهار, فعاتبه أهل المركب على ذلك, وقالوا: ارفق بنفسك قليلا, فقال: إن أقل ما ينبغي أن يكون لنفسي عندي أن أبكيها، فأبكي عليها أيام الدنيا، لعلمي بما يمر عليها في ذلك اليوم غدا, قال: فما بقي في المركب أحد إلا بكى.
قال عثمان: وكان بهيم رجلا حزينا، فكان إذا ذكر هذا البدوي بكى، وقال: هذا يبكي على نفسه ويرحمها مما يمر عليها في الموقف، فكيف بما بعد الموقف إن لم يصن.... العبد إلى خير؟ قال: ويبكي بكاء شديدا إذا ذكره.
182 - حدثني محمد، قال: سمعت أبا جعفر القارئ، في جوف الليل وهو يبكي ويقول:
ابك لذنبك طول الدهر مجتهدا... إن البكاء معول الأحزان
لا تنس ذنبك في النهار وطوله... إن الذنوب تحيط بالإنسان
فيبكي بكاء شديدا، ويردد ذلك.
183- حدثني محمد، قال: حدثني زيد الخمري، قال: حدثني بحر, أبو يحيى، قال: سمعت عابدا في بعض السواحل ذات ليلة يبكي، وإخوانه عنده، فبكوا، فقال: ابكوا بأبي أنتم بكاء من علم أنه غير ناج إلا بطول الحزن والبكاء قال: ثم بكى وقال:
من فيض الدمع للدنيا فإنا... نسفح الدمع لاقتراف الذنوب
قال: فبكى القوم والله بكاء شديدا.

الصفحة 145