كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

245 - حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثني عبيد الله بن محمد التيمي، قال: حدثنا سلمة بن سعيد، قال: قالوا ليزيد بن أبان الرقاشي: ما تسأم من كثرة البكاء؟ فبكى, ثم قال: وهل يشبع المرضع من الغذاء؟ والله لوددت أني أبكي بعد الدموع الدماء، وبعد الدماء الصديد, أيام الدنيا، فإنه بلغنا أن أهل النار يبكون الدماء إذا نفدت الدموع، حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت, فما حق امرئ لا يبكي على نفسه في الدنيا, وينوح عليها؟ قال: وكان يقول: ابك يا يزيد على نفسك, قبل حين البكاء، إنما سمي نوحا؛ لأنه كان ينوح على نفسه, يا يزيد, من يصلي لك بعدك؟ ومن يصوم يا يزيد؟ ومن يضرع لك إلى ربك بعدك؟ ومن يدعو؟ فكان يعدد على هذا ونحوه، ويبكي, ويقول: يا إخوتاه, ابكوا, أو بكوا أنفسكم، فإن لم تجدوا بكاء فارحموا كل بكاء.
246 - حدثني محمد، قال: حدثني عبيد الله بن محمد، قال: حدثنا إسماعيل بن ذكوان، قال: كان يزيد الرقاشي إن دخل بيته بكى، وإن شهد جنازة بكى، وإن جلس إليه إخوانه بكى وأبكاهم, فقال له ابنه يوما: يا أبه, كم تبكي؟ والله لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا البكاء فقال: ثكلتك أمك يا بني, وهل خلقت النار إلا لي، ولأصحابي، ولإخواننا من الجن, أما تقرأ يا بني: {سنفرغ لكم أيها الثقلان}؟ أما تقرأ يا بني: {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران}؟ فجعل يقرأ عليه, حتى انتهى إلى: {يطوفون بينها وبين حميم آن} قال: فجعل يجول في الدار, ويصرخ, ويبكي، حتى غشي عليه, فقالت للفتى أمه: يا بني, ما أردت إلى هذا من أبيك؟ فقال: والله إنما أردت أن أهون عليه، لم أرد أن أزيده حتى يقتل نفسه.

الصفحة 157