كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

247 - قال محمد: وحدثنا مجالد بن عبيد الباهلي، قال: حدثنا عبد النور بن يزيد بن أبان الرقاشي، قال: كان أبي يبكي, ويقول لأصحابه: ابكوا اليوم قبل الداهية الكبرى, ابكوا اليوم قبل أن تبكوا غدا, ابكوا اليوم قبل يوم لا يغني فيه البكاء, ابكوا على التفريط أيام الدنيا, قال: ثم يبكي حتى يرفع صريعا من مجلسه.
248 - حدثني محمد، قال: حدثني زهدم بن الحارث، عن سفيان، قال: كان أمية رجلاً من أهل الشام, يقدم فيصلي هناك مما يلي باب بني سهم، فينتحب ويبكي, حتى يعلو صوته، وحتى تسيل دموعه على الحصى, قال: فأرسل إليه الأمير: إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك, وارتفاع صوتك، فلو أمسكت قليلا, فبكى, ثم قال: إن حزن يوم التيه أورثني دموعا غزارا، فأنا أستريح إلى ذريها أحيانا, وكان أمية يقول: ومن أسعد بالطاعة من مطيع؟ ألا وكل الخير في الطاعة, ألا وإن المطيع لله ملك في الدنيا والآخرة, قال: وكان يدخل الطواف، فيأخذ في النحيب والبكاء، وربما سقط مغشيا عليه.
249 - وحدثني محمد، قال: حدثني الفيض بن الفضل البجلي، قال: حدثني جار لمسعر, قال: بكى مسعر, فبكت أمه، فقال لها مسعر: ما أبكاك يا أمه؟ قالت: يا بني, رأيتك تبكي فبكيت, قال: يا أمه, لمثل ما نهجم عليه غدا فليطل البكاء, قالت: وما ذاك يا بني؟ قال: القيامة وما فيها, قال: ثم غلبه البكاء، فقام, قال: وكان مسعر يقول: لولا أمي ما فارقت المسجد, إلا لما لا بد، قال: وكان إن دخل بكى، وإن خرج بكى، وإن صلى بكى، وإن جلس بكى.

الصفحة 158