كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

264 - حدثني محمد، قال: حدثني عبيد بن إسحاق الضبي، قال: حدثنا العلاء بن ميمون، عن أفلح, مولى محمد بن علي, قال: خرجت مع محمد بن علي حاجًّا؛ فلما دخل المسجد نظر إلى البيت، فبكى, حتى علا صوته, فقلت: بأبي أنت وأمي, الناس ينظرون إليك، فلو رفقت بصوتك قليلا, قال: ويحك يا أفلح, ولم لا أبكي؟ لعل الله أن ينظر إلي منه برحمة؛ فأفوز بها غدا عنده, قال: ثم طاف بالبيت، ثم جاء حتى ركع عند المقام، فرفع رأسه من سجوده، فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.
265 - حدثني محمد، قال: حدثني يوسف بن الحكم، قال: سمعت يعلى بن الأشدق يذكر أن عبد الملك بن مروان نظر إلى رجل ساجد، قد أطال السجود، فلما رفع رأسه, نظر إلى موضع سجوده مبتلا بالدموع, فأرصد له رجلا, فقال: إذا قضى صلاته, فأتني به أختبر عقله, فلما قضى صلاته، أتاه، فقال له عبد الملك: رأيت منك منظرا الجنة تدرك بدونه, فصرخ الرجل صرخة أفزع عبد الملك, وخر مغشيا عليه, ثم أفاق بعد طويل وهو يمسح العرق عن وجهه, ويقول: تبا لعاصيك ما احتمل من الآثام لديك, قال: فجعل عبد الملك يبكي، والرجل مول لا يلتفت، حتى خرج.
266 - حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثني عمر بن حفص بن غياث, عن أبيه، قال: كنا ذات يوم عند ابن ذر وهو يتكلم، فذكر رواجف القيامة, وزلازلها, وأهوالها، وشدة الأمر يومئذ هناك, قال: واستبكى ابن ذر، وبكى الناس يومئذ بكاء شديدا, قال: فوثب رجل من بني عجل يقال له: وراد, فجعل يبكي ويصرخ ويضطرب حتى هدأ, قال: ثم حمل من بين القوم صريعا, قال: فجعل ابن ذر يومئذ يبكي, ويقول: ليس كلنا قد أتاه الأمان من الله يا وراد غيرك, ليس كلنا قد أيقن بالنجاة من النار غيرك, وتالله أيها الناس ما أخو بني عجل بأولى بالخوف من الله منا ومنكم، وما منا أحد إلا على مثل حاله بين خوف ورجاء, وإنا فيما ندبنا الله إليه من طاعته لمشتركون جميعا، فما الذي قصر بنا وأسرع به؟ وكلم قلبه حتى أبكاه, فأخرجه إلى ما رأيتم من مخافة الله؟ وكلنا قد سمع الموعظة, وفهم التذكرة، فلم يكن من أحد منا سواه لذلك حركة، ولم تنبض من أحد منا في ذلك جارحة, والله إن هذا يا أخا بني عجل إلا من صفاء قلبك، وتراكم الذنوب على قلوبنا، وما أرانا نؤتى إلا من أنفسنا, قال: ثم بكى ابن ذر، وقرأ هذه الآية: {إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده}.

الصفحة 162