كتاب الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

325 - حدثني علي، قال: حدثنا أسد، قال: حدثنا عبد الله بن خالد، عن أبي طالب، خال أبي يوسف, قال: ناداه الله: يا آدم, أي جار كنت لك؟ قال: سيدي, نعم الجار كنت لي, قال: اخرج من جواري, وسلبه تاجه وحليه.
326 - حدثني يعقوب بن إسحاق بن دينار، قال: حدثنا معاذ العنبري، عن ابن السماك، قال: حدثني عمر بن ذر، عن مجاهد, إن آدم لما أكل من الشجرة, تساقط عنه جميع زينة الجنة، فلم يبق عليه شيء من زينتها, إلا التاج والإكليل, وجعل لا يستر بشيء من ورق الجنة, إلا سقط عنه, فالتفت إلى حواء باكيا, وقال: استعدي للخروج من جوار الله, هذا أول شؤم المعصية, قالت: يا آدم, ما ظننت أحدا يحلف بالله كاذبا, وذلك أن إبليس لما قاسمهما على الشجرة, وانطلق آدم في الجنة هاربا, استحياء من رب العالمين، فتعلقت به شجرة ببعض أغصانها، ظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة, فنكس رأسه, يقول: العفو العفو, فقال الله: يا آدم, فرارا مني؟ قال: بل حياء منك سيدي, فأوحى الله إلى الملكين: أخرجا آدم وحواء من جواري، فإنهما قد عصياني, فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه, قال مجاهد: فلما أهبط من ملكوت القدس إلى دار الجوع والمسغبة، بكى على خطيئته مائة سنة, قد رمى برأسه على ركبتيه, حتى نبت الأرض عشبا وأشجارا من دموعه، حتى يقع الدمع في نقر الجلاهم وأقعيتها, فمر به نسر عظيم قد أجهده العطش، فشرب من دموعه, وأنطق الله النسر, فقال: يا آدم, إني في هذه الأرض قبلك بألفي عام, وقد بلغت شرق هذه الأرض وغربها، وشربت من بطون أوديتها، وغدران جبالها، وسيف بحارها، ما شربت ماء أعذب ولا أطيب رائحة من هذا الماء, قال آدم: ويحك يا نسر, أتعقل ما تقول؟ من أين تجد عذوبة دمع من عصى ربه، وجرى على خدين عاصيين؟ وأي دمع أمر من دمع عاص؟ ولكن أظن بك أيها النسر أنك تعيرني, لأني عصيت ربي، فأزعجت من دار النعمة إلى دار البؤس والمسكنة, فقال النسر: يا آدم, أما ما ذكرت من التعيير، فما أعيرك، ولكن هكذا وجدت طعم دموعك, وأي دمع أعذب من دمع عبد عصى ربه، وذكر ذنبه، فوجل قلبه، وخشع جسمه، وبكى على خطيئته خوفا من ربه.

الصفحة 181