كتاب الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

59 - حَدَّثَنَا سوار بن عبد الله، حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد القطان، عن عمران أبي بكر, قال: حَدَّثَنِي عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى, قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي, فقال: إن صبرت فلك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك, قالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أنكشف, فدعا لها.
60 - حَدَّثَنَا القاسم بن هاشم, قال: قال إبراهيم بن الأشعث: سمعت سفيان بن عيينة يقول: لم يعط العباد أفضل من الصبر، به دخلوا الجنة.
61 - حَدَّثَنِي محمد بن الحسين، حَدَّثَنَا عبيد الله بن موسى, قال: سمعت الحسن بن صالح يقول: لقد دخل التراب من هذا المصر قوم قطعوا عنهم الدنيا بالصبر على طاعة الله، وبين لهم هذا القرآن غير الدنيا, قال: {أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} ثم بكى حسن، ثم قال: إذا جاء الموت وسكراته, لم يغن عن الفتى ما كان فيه من النعيم واللذة, ثم مال مغشيا عليه.
62 - حَدَّثَنَا علي بن أبي مريم، عن محمد بن الحسين, قال: حَدَّثَنِي خلف بن إسماعيل, قال: سمعت رجلا مبتلى من هؤلاء الزمنى يقول: وعزتك لو أمرت الهوام فتقتسمني مضغا ما ازددت لك بتوفيقك إلا صبرا، وعنك بمنك ونعمتك إلا رضا, قال خلف: وكان الجذام قد قطع يديه ورجليه وعامة بدنه.
قال خلف: وسمعت رجلا منهم يقول: إن كنت إنما ابتليتني لتعرف صبري, فأفرغ علي صبرا يبلغني رضاك عني، وإن كنت إنما ابتليتني لتثيبني وتأجرني وتجعل بلاءك لي سببا إلى رحمتك بي، فمن من عبادك أعظم نعمة ومنة مننت بها علي إذ رأيتني لاختبارك لها أهلا، فلك الحمد على كل حال، فأنت أهل كل خير, وولي كل نعمة, قال: فلما كان بالعشي مات.
قال خلف: وسمعت رجلا مبتلى يقول: الصبر على منن الرجال أشد من الصبر على ما بي من البلاء.
قال خلف: وسمعت أبا سليمان داود الجواربي يقول يوما، وأقبل علي، فقال: يا أبا إسماعيل، قل لأصحابك أهل البلاء: اغتنموا الصبر فكأنكم قد بلغتم مدته.
قال خلف: فذكرت ذلك لرجل منهم يكنى أبا ميمون، وكان عاقلا، فقال: يا أبا إسماعيل, إن للصبر شروطا, قلت: ما هي يا أبا ميمون؟ قال: إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك, وتحسن النية فيه، لعلك إن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء, فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت, ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها, فحمدت الله على ذلك وشكرت.

الصفحة 274