كتاب الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

92 - حَدَّثَنَا أبو محمد الأزدي البصري, قال: رأى رجل الحسن بن حبيب بن ندبة في النوم بعدما مات، فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بصبري على الفقر في الدنيا.
93 - حَدَّثَنِي عبيد الله بن جرير الأزدي، حَدَّثَنَا موسى بن إسماعيل، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، حَدَّثَنَا عقبة بن عمار، عن المغيرة بن حذف، عن ربعي بن حراش، أن عمر بعث إلى غزية من الأرض، فأتى بأشياخ من بني عبس، فقال: إنكم قاتلتم الناس في الجاهلية، فأي الخيل وجدتم أصبر؟ قالوا: الكمت الخمر, قال: فأي الإبل وجدتم أصبر؟ قالوا: الحمر الجعاد, قال: فأي النساء وجدتم أصبر؟ قالوا: ما صبرت فينا غريبة قط, قال: بم كنتم تغلبون الناس؟ قالوا: بالصبر، لم نلق قوما إلا صبرنا لهم ما صبروا لنا.
94 - حَدَّثَنِي علي بن الحسن بن موسى، عن موسى بن عيسى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي, قال: حَدَّثَنِي بعض الحكماء قال: خرجت وأنا أريد الرباط، حتى إذا كنت بعريش مصر، أو دون عريش مصر، إذا أنا بمظلة, وإذا فيها رجل قد ذهبت يداه, ورجلاه, وبصره، وإذا هو يقول: اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك، كفضلك على سائر خلقك، إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا، فقلت: والله لأسألنه, أعلمه أم ألهمه إلهاما؟ قال: فدنوت منه، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: إني سائلك عن شيء, أتخبرني به؟ قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به، فقلت: على أي نعمة من نعمه تحمده عليها؟ أم على أي فضيلة من فضائله تشكره عليها؟ قال: أليس ترى ما قد صنع بي؟ قال: قلت: بلى, قال: فوالله لو أن الله سبحانه صب علي السماء نارا فأحرقتني، وأمر الجبال فدمرتني، وأمر البحار فغرقتني، وأمر الأرض فخسفت بي، ما ازددت له إلا حبًا، ولا ازددت له إلا شكرا, وإن لي إليك حاجة، بني لي كان يتعاهدني لوقت صلاتي، ويطعمني عند إفطاري، وقد فقدته منذ أمس، انظر هل تحسه لي؟ فقلت: إن في قضاء حاجة هذا العبد لقربة إلى الله, قال: فخرجت في طلبه، حتى إذا كنت بين كثبان من رمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله, قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف آتي هذا العبد الصالح من وجه رفيق, فأخبره الخبر لا يموت؟ قال: فأتيته، فسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: إني سائلك عن شيء, أتخبرني به؟ قال: إن كان عندي منه علم أخبرتك به, قال: قلت: أنت أكرم على الله منزلة, أم أيوب عليه السلام؟ قال: بل أيوب صلى الله عليه وسلم, كان أكرم على الله مني، وأعظم منزلة عند الله مني, قال: قلت: أليس ابتلاه الله فصبر، حتى استوحش منه من كان يأنس به, وصار غرضا لمرار الطريق؟ قال: بلى, قلت: فإن ابنك الذي أخبرتني من قصته ما أخبرتني، خرجت في طلبه، حتى إذا كنت بين كثبان من رمال، إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله, فقال: الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا, ثم شهق شهقة, فمات رحمه الله, قال: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون, من يعينني على غسله وكفنه ودفنه؟ قال: فبينما أنا كذلك، إذا أنا بركب قد بعثوا رواحلهم, يرويدون الرباط, قال: فأشرت إليهم، فأقبلوا إلي, فقالوا: ما أنت وهذا؟ فأخبرتهم بالذي كان من أمره, قال: فثنوا أرجلهم، فغسلناه بماء البحر، وكفناه، بأثواب كانت معهم، ووليت الصلاة عليه من بينهم، ودفناه في مظلته تلك, ومضى القوم إلى رباطهم، وبت في مظلته تلك الليلة أنسا به, فلما مضى من الليل مثل ما بقي منه، إذا أنا بصاحبي في روضة خضراء، عليه ثياب خضر، قائما يتلو الوحي، فقلت: ألست أنت صاحبي؟ قال: بلى, قلت: فما الذي صيرك إلى ما أرى؟ قال: وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء.
قال الأوزاعي: قال لي الحكيم: يا أبا عمرو وما تنكر من هذا الولي؟ والاه، ثم ابتلاه فصبر، وأعطاه فشكر؟ والله لو أن ما حنت عليه أقطار الجبال، وضحكت عنه أصداف البحار، وأتى عليه الليل والنهار، أعطاه الله أدنى خلق من خلقه، ما نقص ذلك من ملكه شيئا, قال الوليد: قال لي الأوزاعي: ما زلت أحب أهل البلاء منذ حَدَّثَنِي الحكيم بهذا الحديث.

الصفحة 282