كتاب الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

121 - حَدَّثَنِي علي بن الحسن، عن يحيى بن أبي بكير، عن زافر بن سليمان، عن محمد بن سوقة قال: كان يقال: انتظار الفرج بالصبر عبادة.
122 - حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، حَدَّثَنَا أبو بكر بن عياش، عن أبيه قال: كان حطيط زياتا، وكان شابا أبيض، فأتى الحجاج فقال: أما تستحيي تكذب وأنت أمير، تزعم أنه لا يحل ترك عاص، وهؤلاء بنو عمك حولك كلهم عصاة؟ أليس كذلك؟ يقول لمن حوله, فقالوا كلهم: اسقنا دمه.
123 - حَدَّثَنَا إسحاق بن إسماعيل، حَدَّثَنَا إبراهيم بن عيينة، عن طعمة الجعفري، عن عمر بن قيس قال: لما أتي الحجاج بحطيط الزيات, قال له: أحروري أنت؟ قال: ما أنا بحروري، ولكني عاهدت الله أن أجاهدك بيدي وبلساني وبقلبي، فأما يدي فقد فتها، وأما لساني فهذا تسمع ما تقول، وأما قلبي فالله أعلم بما فيه, قال: فوثب حوشب, صاحب شرطه, فساره بشيء, قال: يقول له حطيط: لا تسمع منه، فإنه غاش لك, قال: فقال له الحجاج: ما تقول في أبي بكر, وعمر, رحمهما الله؟ فقال: أقول فيهما خيرا, قال: ما تقول في عثمان, رحمه الله؟ قال: ما ولدت إذ ذاك, فقال له الحجاج: يا ابن اللخناء، ولدت في زمن أبي بكر, وعمر, ولم تولد في زمن عثمان؟ فقال له حطيط: يا ابن اللخناء, لا تعجل، إني وجدت الناس اجتمعوا على أبي بكر, وعمر, فقلت بقولهم، واختلفوا في عثمان, فوسعني السكوت, فوثب معد, صاحب عذاب الحجاج, فقال: إن رأى الأمير أن يدفعه إلي، فوالله لأسمعنك صياحه, قال: خذه إليك, قال: فحمله، فمكث يعذبه ليلته جمعاء, ولا يكلمه حطيط، فلما كان عند الصبح دعا بدهق، واعتمد على ساقه, فكسرها, واكتبى عليها, قال: فقال له حطيط: يا أفسد الناس وألأمهم، تَكْتَبِي على ساقي بعد أن كسرتها؟ والله لا كلمتك، فلما أصبح دخل على الحجاج, فقال له الحجاج: ما فعل أسيرك؟ قال: إن رأى الأمير أن يأخذه، فقد أفسد علي أهل سجني، يستحيون أن لا يصبروا, قال: علي به, فأتي به، فوضع بين يديه, قال: وإلى جنب الحجاج شيخ من مشيخة أهل الشام, قال: فقال حطيط للحجاج: كيف رأيت؟ قال إسحاق: يعني قول معد له: والله لأسمعنك صياحه, قال: فقال له الحجاج: أتقرأ من القرآن شيئا؟ قال: نعم, قال: فاقرأ, قال به حطيط: لا، بل اقرأ أنت, قال: فقال له الحجاج: اقرأ, قال حطيط: لا، بل اقرأ أنت, كل ذلك يرد عليه, قال: فقرأ الحجاج: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} حتى بلغ إلى قوله: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} قال: فقال له حطيط: قف, قال: فوقف الحجاج، فقال له حطيط: هو ذا أنت تعذبهم, قال: فقال: علي بالعذاب, قال: فأتي بمسال أو سلاء، فأمر بها فغرزت في أنامله، فقال الشيخ الذي إلى جنب الحجاج: تالله ما رأيت كاليوم رجلا أصبر منه, قال: فقال له حطيط: إن الله يفرغ الصبر على المؤمنين إفراغا, قال: فقال الحجاج لمعد: ويحك، أرحني منه, قال: فحمله من بين يديه, قال بعض أعوان الحجاج: فرحمته، فدنوت منه, فقلت: هل لك من حاجة؟ قال: لا, إلا أن لساني قد يبس فما أستطيع أن أذكر الله.

الصفحة 293