كتاب صفة الجنة لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
29 - حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني حدثني محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي زيد حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع, حدثنا عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يجمع الله عزوجل الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قيام أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولي كل إنسان منكم ما كان يتولاه ويعبد في الدنيا أليس هذا عدلا من ربكم فيقولون بلى. قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يتولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون. فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزير شيطان عزير ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فيأتيهم الرب عز وجل فيقول لهم مالكم لا تنطلقون لما انطلق الناس قال فيقولون إن لنا إلها ما رأيناه بعد فيقول وهل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها. فيقول ما هي فيقولون يكشف عن ساق قال فيخر كل من كان لظهره طبق ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ثم يقول ارفعوا رؤوسكم قال فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه ومشى وإذا انطفئ قام على الصراط قال والرب عز وجل أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف دحض مزلة فيقول مروا فيمرون على قدر نورهم.
فمنهم من يمر كطوف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب ومنهم من يمركالسحاب ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الفرس ومنهم من يمر كمثل الرجل حتى يمر الرجل الذي نوره على قدر إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يجر يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا وتصيب جوانبه النار قال فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله عز وجل مالم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد أن رأيتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل منه قال فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم قال ويرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله عز وجل له أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار فيقول رب اجعل بيني وبينها حجابا لا أسمع حسيسها قال فيدخل الجنة فيرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنما هو فيه إليه حلم فيقول رب أعطني ذلك المنزل قال فيقول له فلعلك إن أعطيتك تسأل غيره قال فيقول لا وعزتك وجلالك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن من هذا فيعطاه فينزله قال ويرى أمام ذلك منزلا كأنما هو فيه إليه حلم قال رب أعطني ذلك المنزل قال فيقول الله عز وجل له فلعلك إن أعطيته تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه فيعطاه فينزله, وقال ويرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما هو فيه إليه حلم فيقول رب أعطني ذلك المنزل قال فيقول الله عز وجل فلعلك إن أعطيته تسأل غيره قال لا وعزتك وأي منزل يكون أحسن منه فيعطاه فينزله قال ثم يسكت فيقول الله عز وجل مالك لا تسأل فيقول رب لقد سألتك حتى استحيتك وأقسمت لك حتى استحييتك. فيقول أما ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها فيقول تستهزئ بي وأنت رب العالمين قال فيضحك الرب عز وجل من قوله
فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك. قال فقال له الرجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان من هذا الحديث ضحكت فقال ابن مسعود إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى يبدوا آخر أضراسه قال فيقول الرب عز وجل ولكني على ذلك قادر فيقول رب ألحقني بالناس فيقول الحق بالناس فينطلق فيدخل الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من دره فيخر ساجدا فيقال له إرفع رأسك مالك فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك.
قال ثم يلقى رجلا فيتهيأ ليسجد فيقول له مالك فيقول رأيت أنه ملك من الملائكة فيقول إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه. قال فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو درة مجوفة سواقفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتحها منها فتستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته وكبده مرآتها إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عيني سبعين ضعفا عما كان قبل ذلك فيقول لها: والله لقد ازاددت في عيني سبعين ضعفا قال فيقال له أشرف فيشرف قال فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذ بصرك قال فقال عمر ألا تسمع إلى ما يحدثناه ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلة فكيف أعلاها فقال كعب يا أمير المؤمنين لا عين رأت ولا أذن سمعت إن الله عز وجل خلق لنفسه دارا فجعل فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها ثم لم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة قال ثم قرأ كعب {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءا بما كانوا يعملون}
قال وخلق الله دون ذلك جنتين زينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه قال فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها ضوء من ضوء وجهه ويستبشرون بريحه يقولون وها لهذه الريح الطيبة هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه قال فقال عمر ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها. فقال كعب والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة زفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر لركبته حتى إن إبراهيم خليل الرحمن يقول رب نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أنك لا تنج.