كتاب صفة الجنة لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل
- باب شجرة طوبى
52 - حدثنا أبو موسى إسحاق بن موسى الهروي, حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي الموصلي, حدثنا أبو إلياس, حدثنا محمد بن علي بن الحسين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة لشجرة يقال لها طوبى لو سخر الراكب الجواد أن يسير في ظلها لسار فيه مائة عام وورقها وبسرها برود خضر وزهورها رياض صفر وأفناؤها سندس واستبرق وثمرها حلل وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر وترابها مسك وعنبر وكافورها أصفر وحشيشها زعفران مونع ولأنجوج يتأججان من غير وقود يتفجر من أصلها السلسبيل والمعين والرحيق وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه يتحدث بجمعهم فبينما هم يوما في ظلها يتحدثون إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبا جبلت من الياقوت ثم تنفخ فيها الروح مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا وبهاء وبرها خز أحمر ومرعزي أبيض مخلطات لم ينظر الناظرون إلى مثلها حسنا ذلك من غير مهابة نجبا من غير رياضة عليها رحائل ألواحها من الدر والياقوت مفضضة باللؤلؤ والمرجان صفائحها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري والأرجون فأناخوا لهم تلك النجب ثم قالوا لهم إن ربكم يقرئكم السلام ويستزيركم لينظر إليكم وتنظرون إليه وتكلمونه ويكلمكم وتحيونه ويحييكم ويزيدكم من فضله وسعته إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم فيتحول كل رجل منهم عن راحلته ثم ينطلقون صفا معتدلا لا يفوت شيء منهم شيئا ولا تفوت أذن ناقة أذن صاحبتها فلا يمرون بشجرة من شجرة الجنة إلا أتحفتهم من ثمرها ورحلت عن طريقهم كراهة أن يثلم صفهم أو تفرق بين الرجل ورفيقه فلما دفعوا إلى الجبار عز وجل سفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيمة يحيهم فيها بالسلام قالوا ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك حق الجلال والإكرام قال لهم ربهم إني أنا السلام ومني السلام ولي حق الجلال والإكرام فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وخافوني بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين قالوا أما وعزتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ولا أدينا لك كل حقك فأذن لنا في السجود لك قال لهم ربهم إني وضعت عنكم مؤونة العبادة وأرحت لكم أبدانكم فطالما نصبتم لي الأبدان وأعنتم لي الوجوه وأصمتم لي الأفواه وأخمصتم لي البطون فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي فاسألوني ما شئتم وتمنوا علي اعطكم أمانيكم فإني لا أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ولكن بقدر رحمتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني فما يزالون في الأماني والمواهب والعطايا حتى أن المقصر منهم ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله عز وجل إلى يوم أفناها قال لهم ربهم لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم وزدتكم على ما قصرت عنه أمانيكم فانظروا إلى مواهب ربكم الذي وهب لكم فإذا قباب في الرفيق الأعلى وغرف مبنية من الدر والمرجان وأبوابها من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس واستبرق ومنابرها من نور يثور من أبوابها ومن أعراضها نور كشعاع الشمس مثل الكوكب الدري في النهار المضيء وإذا قصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها فلولا أنه سخر لألتمع الأبصار فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري الأحمر وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالأرجون الأصفر مموه بالزبرجد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء قواعدها وأركانها من الياقوت وشرفها قباب من اللؤلؤ وبروجها غرف المرجان فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم عز وجل قربت لهم براذين من الياقوت الأبيض منفوخ فيها الروح بجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون ولجامها وأعنتها من فضة منظومة بالدر والياقوت وسرجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والإستبرق فانطلقت بهم تلك البراذين تردهم وتبصرهم رياض الجنة فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا جميع ما تطول به ربهم عليهم مما سألوا وتمنوا فإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان جنتان ذواتا أفنان وجنتان مدهامتهان وفيهما عينان نضاختان وفيهما من كل فاكهة زوجان حور مقصورات في الخيام فلما تبؤوا منازلهم واستقر بهم قرارهم قال لهم ربهم تعالى هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم رضينا فارضى عنا قال برضائي عنكم حللتم داري ونظرتم إلى وجهي وصافحتم ملائكتي فهنيئا هنيئا عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص ولا تصريد فعند ذلك قالوا {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب إن ربنا لغفور شكور.}.