كتاب صفة النار لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

245 - حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ، عَنْ عُمَرَ بْنُ أَبِي لَيْلَى، أَحَدُ بَنِي عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، يَقُولُ بَلَغَنِي أَوْ ذُكِرَ لِي: أَنَّ أَهْلَ النَّارِ اسْتَغَاثُوا بِالْخَزَنَةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ} سَأَلُوا يَوْمًا وَاحِدًا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ فِيهِ الْعَذَابُ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْخَزَنَةُ قالوا: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى}، فَرَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْخَزَنَةُ قالوا: {فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} وَلَمَّا يَئِسُوا مِمَّا عِنْدَ الْخَزَنَةِ، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وَهُوَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مَجْلِسٌ فِي وَسَطَهَا، وَجُسُورٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، فَهُوَ يَرَى أَقْصَاهَا كَمَا يَرَى أَدْنَاهَا، فَقَالُوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}. سَأَلُوا الْمَوْتَ قَالَ: فَمَكَثَ عَنْهُمْ لاَ يُجِيبُهُمْ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَالسَّنَةُ سِتُّونَ وَثَلاَثِمِئَةِ يَوْمٍ، وَالشَّهْرُ ثَلاَثُونَ يَوْمًا، وَالْيَوْمُ {كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} لِحِظَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الثَّمَانِينَ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} فَلَمَّا سَمِعُوا مَا سَمِعُوا مِمَّا قِبَلَهُ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا هَؤُلاَءِ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْبَلاَءِ وَالْعَذَابِ مَا قَدْ تَرَوْنَ، فَهَلُمُّوا فَلْنَصْبِرْ، فَلَعَلَّ الصَّبْرَ يَنْفَعُنَا، كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ فَنَفَعَهُمُ الصَّبْرُ إِذْ صَبَرُوا. فَأَجْمَعُوا رَأْيَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ. قَالَ: فَتَصَبَّرُوا، فَطَالَ صَبْرُهُمْ، ثُمَّ جَزَعُوا، فَنَادَوْا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} - أَيْ: مَلْجَأَ - فَقَامَ إِبْلِيسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَخَطَبَهُمْ: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ}، يَقُولُ: بِمُغْنٍ عَنْكُمْ شَيْئًا. {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَّرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَتَهُ مَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ فَنُودُوا: {لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تَدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} قَالَ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ. قَالَ: فَنَادَوُا الثَّانِيَةَ: {رَبَّنَا أَبْصَرَنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: {وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} يَقُولُ: لَوْ شِئْتَ لَهَدَيْتُ النَّاسَ جَمِيعًا فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} يَقُولُ: بِمَا تَرَكْتُمْ أَنْ تَعْمَلُوا لِيَوْمِكُمْ هَذَا. {إِنَّا نَسِينَاكُمْ}: إِنَّا تَرَكْنَاكُمْ، {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فَهَذِهِ اثْنَتَانِ. قَالَ: فَنَادَوُا الثَّالِثَةَ: {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} فَرَدَّ عَلَيْهِمْ: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}. قَالَ: هَذِهِ الثَّالِثَةُ. قَالَ: ثُمَّ نَادَوُا الرَّابِعَةَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}. قَالَ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصَيرٍ}. فَمَكَثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهَ، ثُمَّ نَادَاهُمْ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تَكْذِبُونَ}. فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَالُوا: الآنَ يَرْحَمَُنا رَبُّنَا. وَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أَيِ الْكِتَابُ الَّذِي كَتَبْتَ عَلَيْنَا. {وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}. فَانْقَطَعَ عِنْدَ ذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالرَّجَاءُ مِنْهُمْ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، يَنْبَحُ بَعْضُهُمْ فِي وَجْهِ بَعْضٍ. وَأُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ فَحَدَّثَنِي الأَزْهَرُ بْنُ أَبِي الأَزْهَرِ، أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}.

الصفحة 494