كتاب الرضا عن الله بقضائه لابن أبي الدنيا - ط أطلس الخضراء = مقابل

65 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ بِالْمَصِّيصَةِ ذَاهِبُ النِّصْفِ الأَسْفَلِ, لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ رُوحُهُ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ, ضَرِيرٌ عَلَى سَرِيرٍ مَثْقُوبٍ, فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: مُلْكُ الدُّنْيَا مُنْقَطِعٌ إِلَى اللهِ, مَا لِيَ إِلَيْهِ مِنْ حَاجَةٍ, إِلاَّ أَنْ يَتَوَفَّانِيَ عَلَى الإِسْلاَمِ.
66 - قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً مُبْتَلًى مِنْ هَؤُلاَءِ الزَّمْنَى يَقُولُ: وَعِزَّتِكَ لَوْ أَمَرْتَ الْهَوَامَّ فَقَسَمَتْنِي مَضْغًا, مَا ازْدَدْتُ لَكَ بِتَوْفِيقِكَ إِلاَّ صَبْرًا, وَعَنْكَ بِمَنِّكَ وَحَمْدِكَ إِلاَّ رِضًا, قَالَ خَلَفٌ: وَكَانَ الْجُذَامُ قَدْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَعَامَّةَ بَدَنِهِ.
67 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ, وَكَانَ قَدْ قَارَبَ الْمِئَةَ, قَالَ: وَعَظَ عَابِدٌ جَبَّارًا, فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ, وَحُمِلَ إِلَى مُتَعَبَّدِهِ, فَجَاءَ إِخْوَانُهُ يُعَزُّونَهُ, فَقَالَ: لاَ تُعَزُّونِي, وَلَكِنْ هَنِّئُونِي بِمَا سَاقَ اللَّهُ إِلَيَّ, ثُمَّ قَالَ: إِلَهِي أَصْبَحْتُ فِي مَنْزِلَةِ الرَّغَائِبِ, أَنْظُرُ إِلَى الْعَجَائِبِ، إِلَهِي أَنْتَ تَتَوَدَّدُ بِنِعْمَتِكَ إِلَى مَنْ يُؤْذِيكَ، فَكَيْفَ تَوَدُّدُكَ إِلَى مَنْ يُؤْذَى فِيكَ؟.
68 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ (1) الْيَرْبُوعِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ ثُمَّ انْصَرَفْتُ, فَجَلَسْتُ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ, حَتَّى صَلَّيْنَا الْعَصْرَ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي جَنَازَةِ فُلاَنٍ, فَمَشَيْنَا إِلَى نَاحِيَةَ بَنِي سَعْدٍ, فَصَلَّيْنَا عَلَى جَنَازَةٍ, ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكُمْ فِي فُلاَنٍ الْعَابِدِ نَعُودُهُ؟ فَأَتَيْنَا رَجُلاً قَدْ وَقَعَتْ فِي فِيهِ الْخَبِيثَةُ, حَتَّى أَبْدَتْ عَنْ أَضْرَاسِهِ, فَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ دَعَا بِقَعْبٍ مِنْ مَاءٍ وَبِقُطْنَةٍ فَيَبُلُّ لِسَانَهُ حَتَّى يَبْتَلَّ, ثُمَّ يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ يُحْسِنُ فِيهِنَّ, فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ, دَعَا بِالْقَدَحِ لِيَفْعَلَ مَا كَانَ يَفْعَلُ, فَبَيْنَا هُوَ يَبُلُّ لِسَانَهُ, إِذْ سَقَطَتْ حَدَقَتَاهُ فِي الْقَدَحِ, فَأَخَذَ بِهِمَا, فَمَرَّ بِهِمَا بِيَدِهِ, ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ فِيهِمَا دَسَمًا, وَمَا كُنْتُ أَظُنُّهُ بَقِيَ فِيهِمَا, ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ, فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَانِيهِمَا, فَأَمْتَعَنِي بِهِمَا شَبَابِي وَصِحَّتِي حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ أَيَامِي, وَحَضَرَ أَجَلِي أَخَذَهُمَا مِنِّي لِيُبْدِلَنِي بِهِمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُمَا, فَقَالَ لَهُ يُونُسُ: قَدْ كُنَّا تَهَيَّأْنَا لِنُعَزِّيكَ, فَنَحْنُ الآنَ سَنُهَنِّئُكَ, فَقَالَ خَيْرًا وَدَعَا, ثُمَّ خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ, حَتَّى أَتَيْنَا أَبَا رَجَاءِ الْعُطَارِدِيَّ, فَحَدَّثْنَاهُ بِقِصَّتِنَا, فَقَالَ: شَهِدْتُمْ خَيْرًا, وَعَفِيتُمْ حِينَ صَلَّيْتُمْ جَمَاعَةً, ثُمَّ شَيَّعْتُمْ جَنَازَةً, ثُمَّ عُدْتُمْ مَرِيضًا, ثُمَّ زُرْتُمْ أَخًا, لَقَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا, لَقَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا, وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَبْتُ خَيْرًا, قَدْ قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ.
_حاشية__________
(1) في طبعتي مؤسسة الكتب الثقافية، والدار السلفية: "محمد بن مسعر".

الصفحة 91