كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 4)

قوله: "الرَّزَّاق" (¬1) فسراه بما تراه، وقال غيرهما: الرزاق هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم، وخلق لهم أسباب التمتع بها، والرزق رزقان، ظاهره: وهي الأقوات والأطعمة وذلك للظواهر وهي الأبدان، وباطنة: وهي المعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهو أشرف الرزقين، فإن ثمرته حياة الأبد، وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد [433 ب]، والله هو المتولي لخلق الرزقين، والمتفضل بإيصاله إلى الخلق، ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
فائدة: يتخلق العبد بأن يعلم أن الرزقين منه تعالى فلا يطلبهما (¬2) من غيره، فإذا رزق العبد الرزق الباطن، فرزقه علماً هادياً ولساناً مرشداً معلماً، ليكون سبباً لوصول الأرزاق
¬__________
(¬1) الرَّزْق صفة فعلية ثابتة لله - عز وجل - بالكتاب والسنة، والرزَّاق، (الرَّزاق) من أسمائه تعالى.
قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} [النحل: 114].
وقال تعالى: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)} [الحج: 58].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 58].
قال الهراس: "ومن أسمائه سبحانه (الرزاق)، وهو مبالغة من (رازق)؛ للدلالة على الكثرة, مأخوذ من الرَّزق - بفتح الراء - الذي هو المصدر، وأما الرزق - بكسرها -؛ فهو لعباده الذين لا تنقطع عنهم أمداده وفواضله طرفة عين، والرزق كالخلق، اسم لنفس الشيء الذي يرزق الله به العبد؛ فمعنى الرزاق: الكثير الرزق، صفة من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيته - عز وجل -، لا يصح أن ينسب إلى غيره، فلا يسمى غيره رازقاً كما لا يسمى خالقاً، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40]؛ فالأرزاق كلها بيد الله وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقة، وموصلها إليهم، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو مولاها وواهبها".
انظر: "شأن الدعاء" للخطابي (ص 54)، "استشاق أسماء الله" للزجاجي (ص 126).
(¬2) قال القشيري في "شرح الأسماء الحسنى" (ص 109): "ومن عرف أن الله هو الرزاق أفرده بالقصد إليه وتقرب إليه بدوام التوكل عليه، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد: 26].

الصفحة 104