كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 4)

رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب! خذ لي مظلمتي من هذا، فقال الله - عز وجل -: رد على أخيك مظلمته، فقال: يا رب! لم يبق من حسناتي شيء، فقال الله تعالى للطالب: كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟ فقال: يا رب! فليحمل عني من أوزاري ثم [459 ب] فاضت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يحتاج الناس فيه إلى أن يحملوا عنهم من أوزارهم، قال: فيقول الله - عز وجل - للمتظلم: ارفع بصرك فانظر إلى الجنان، قال: يا رب! أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ ولأي صديق هذا؟ ولأي شهيد هذا؟ قال الله: لمن أعطى الثمن، قال: يا رب! ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا يا رب؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب! فقد عفوت عنه، قال الله - عز وجل -: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة" (¬1) فهذا سبيل الانتصاف والإنصاف, ولا يقدر عليه إلا رب الأرباب، إذ أوفر (¬2) العبيد تخلق بهذه الصفة من ينتصف أولاً من نفسه ثم لغيره من غيره، ولا ينتصف لنفسه من غيره. [284/ أ].
¬__________
(¬1) أخرجه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" رقم (118)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 576) بسند ضعيف.
(¬2) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص 153).

الصفحة 170