كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 4)

قال البخاري (¬1): ورأى عمر (¬2) وأبو عبيدة (¬3) ومعاذ شراب الطلاء، أي: رأوا جواز شرب الطلاء إذا طبخ وصار على الثلث، ونقص منه الثلثان. وقد وافق على جواز شربه أمير المؤمنين علي - عليه السلام - كما أخرج النسائي (¬4) عن الشعبي، قال: كان علي يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب، فلا يستطيع أن يخرج منه، ووافق على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين.
قال ابن حزم (¬5): إنه شاهد من العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكراً أصلاً، ومنه ما إذا طبخ على الربع كذلك، بل ذكر أنه شاهد منه ما يصير دُبّاً خاثراً لا يسكر.
¬__________
(¬1) في "صحيحه" (10/ 62 الباب رقم 10 - مع الفتح) معلقاً.
(¬2) أثر عمر أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 847) رقم (14) من طريق محمود بن لبيد الأنصاري: "أن عمر ابن الخطاب حين قدم الشام، شكا إليه أهل الشام وباءَ الأرض وثقلها، وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا هذا العسل، قالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض: هل لك بأن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر؟ قال: نعم.
فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلثُ فأتوا به عمر. فأدخل فيه عمرُ إصبعَهُ. ثم رفع يده، فتبعها يتمطط. فقال: هذا الطلاء. هذا مثل طلاء الإبل. فأمرهم عمر أن يشربوه. فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله. فقال عمر: كلاَّ واللهِ، اللهم إني لا أُحِلُّ لهم شيئاً حرمته عليهم، ولا أحرِّم عليهم شيئاً أحللته لهم".
قلت: وأخرجه الشافعي في المسند (ج 2 رقم 306 - ترتيب) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 300 - 301)، وفي "المعرفة" (6/ 440 رقم 5213 - العلمية) بسند صحيح. وهو أثر صحيح.
(¬3) قال الحافظ في الفتح (10/ 64): "وأما أثر أبي عبيدة وهو ابن الجراح، ومعاذ وهو ابن جبل، فأخرجه أبو مسلم الكجي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في "المصنف" (7/ 528) رقم (4039)، وعبد الرزاق في المصنف رقم (17122) من طريق قتادة عن أنس: "أن أبا عبيدة، ومعاذ بن جبل، وأبا طلحة، كانوا يشربون من الطلاء ما طبخ على الثلث، وذهب ثلثاه".
(¬4) في "السنن" رقم (5718)، وهو أثر موقوف صحيح الإسناد.
(¬5) في "المحلى" (7/ 498).

الصفحة 777