كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 4)

لأصحابنا أصحهما تطهر. وهذا الذي ذكرناه أنها لا تطهر إذا ألقي شيء فيها هو مذهب الشافعي وأحمد والجمهور (¬1).
وقال الأوزاعي والليث وأبو حنيفة (¬2): تطهر.
وعن مالك (¬3) ثلاث روايات. أصحها عنه أن التخليل حرامٌ، فلو خللها عصى وطهرت. والثانية: حرام ولا تطهر.
والثالثة: حلال وتطهر. واتفقوا على أنها إذا انقلبت بنفسها خلاً طهرت.
قلت: وأول أقوال مالك أظهرها؛ لأنها قد صارت خلاً لغة وشرعاً.
2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُتِيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ المَلَكُ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ". أخرجه النسائي (¬4). [صحيح]
قوله في حديث أبي هريرة: "بقدحين" أقول: في رواية بثلاثة، الثالث من عسل، لكن هذا عند رفعه إلى سدرة المنتهى، وذلك بإيلياء، وإيلياء بكسر الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام وفتح التحتانية الخفيفة مع المد. هي مدينة القدس.
قوله: "فأخذت اللبن" أقول: قال ابن التين (¬5): يحتمل أنه نفر من الخمر؛ لأنه تفرس أنها ستحرم لأنها كانت حينئذٍ مباحة، ولا مانع من اقتران مباحين مشتركين في أصل الإباحة
¬__________
(¬1) انظر: "المغني" (12/ 517).
(¬2) "المبسوط" (24/ 7)، "البناية في شرح الهداية" (11/ 454).
(¬3) "مدونة الفقه المالكي وأدلته" (2/ 256)، "التهذيب في اختصار المدونة" (4/ 503).
(¬4) في "السنن" رقم (5657).
وأخرجه البخاري رقم (3394، 3437، 4709، 5576، 5603)، ومسلم رقم (168).
(¬5) ذكره الحافظ في "الفتح" (10/ 33) من كلام ابن عبد البر، وفي نسخة أخرى: قال ابن المنير.

الصفحة 784