كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 4)

فقامُوا معَهُ، فأتَى رجُلًا مِنَ الأنصارِ، فإذا هو ليسَ في بيتِهِ فلمَّا رأتْهُ المرأَةُ قالتْ: مَرْحبًا وأهلًا، فقالَ لها رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أينَ فُلانٌ؟ " قالت: ذهبَ يَسْتَعذِبُ لنا مِنَ الماءِ، إذْ جاءَ الأنصارِيُّ فنظرَ إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحِبَيْهِ، ثمَّ قال: "الحمدُ لله، ما أَحَدٌ اليومَ أكرمَ أَضْيافًا مِنِّي". قال: فانطلقَ فجاءَهُمْ بعِذْقٍ فيهِ بُسْرٌ وتَمرٌ ورُطَبٌ، فقال: كُلوا مِنْ هذهِ. وأخذَ المُدْيَةَ، فقالَ لهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إيَّاكَ والحَلُوبَ". فذبحَ لهمْ، فأكَلُوا مِنَ الشَّاةِ ومِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا، فلمَّا أَنْ شَبعُوا ورَوُوا قالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بَكْرٍ وعُمرَ: "والذي نفسي بيدِه لتُسْأَلُنَّ عنْ هذا النَّعيمِ يومَ القيامَةِ، أخرجَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ الجُوعُ ثمَّ لمْ تَرجِعُوا حتَّى أصابَكُمْ هذا النَّعيمُ".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذاتُ يومٍ أو ليلةٍ، فإذا هو بأبي بكرٍ وعمَر"؛ أي: اتفقَ خروجُهم من بيوتهم قاصِدين ضيافةً.
"فقال: ما أخرجَكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع، قال: أنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجَكما"، فيه جوازُ ذِكْر الإنسان ما ينالُه من ألمٍ ونحوهِ لا على التشكِّي وعدم الرضا، بل للتسلية والتَّصْبيرِ؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم - هنا فهذا ليس بمذموم.
"قومُوا، فقامُوا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، يقال له أبو الهيثم بن تيهان الأنصاري الخزرجي.
"فإذا هو ليس في بيته فلمَّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهبَ يستعذِبُ لنا من الماء"؛ أي: يطلب لنا الماء العذب، وذلك لأن أكثرَ مياه المدينة كانت مالحة.
"إذ جاء الأنصاريُّ فنظرَ إلى رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم

الصفحة 577