كتاب شرح المصابيح لابن الملك (اسم الجزء: 4)

"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بدلْوٍ من ماء زمزمَ فشربَ وهو قائم"، قد يدلُّ هذا على أنه لم يجد موضعًا للقُعود؛ لازدحامِ الناسِ على ماء زمزمَ وابتلالِ المكان، فُيْعلَمُ مِن هذا جوازهُ لعُذْرٍ مع احتمال النسخ؛ لمَا رُوي عن جابر - رضي الله عنه - أنه لمَّا سمع روايةَ مَن روى أنه يشربُ قائمًا قد رأيتهُ صنعَ ذلك، ثم سمعتُه بعد ذلك يَنْهَى عنه.
* * *

3284 - وعن عليٍّ - رضي الله عنه -: أنَّهُ صلَّى الظُّهرَ ثمَّ قعدَ في حَوائِجِ النَّاسِ في رَحبةِ الكُوفةِ حتَّى حَضَرَتْ صلاةُ العصرِ، ثمَّ أُتيَ بماءٍ فشرِبَ وغسلَ وجهَهُ ويدَيْهِ، وذكرَ رأسَهُ ورِجلَيْه، ثمَّ قامَ فشرِبَ فضلَهُ وهو قائمٌ، ثمَّ قال: إنَّ ناسًا يكرَهونَ الشُّرْبَ قائمًا، وإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صنعَ مثلَ ما صنعتُ.
"عن عليٍّ - رضي الله تعالى عنه - أنه صلَّى الظهرَ، ثم قعدَ في حوائجِ الناسِ"؛ أي: في القضاءِ وفَصْلِ الخصومات.
"في رَحْبةِ الكُوفَةِ"؛ أي: في موضع ذي فضَاءٍ وفُسْحَةٍ بالكوفة.
"حتى حَضَرَتْ صلاةُ العَصْر، ثم أُتِيَ بماءٍ فشَرِبَ وغسلَ وجهَه ويديه وذكَر"؛ أي: الراوي.
"رأسَه": قيل: مَسَحَه، وقيل: غَسلَه.
"ورجليه، ثم قامَ فشربَ فَضْلَه وهو قائم، ثم قال: إن ناسًا يَكْرَهُون الشُّرْب قائمًا، وإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صنعَ مثل ما صنعت"، فإن قلتَ: ما ذكرَ عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - يدلُّ على أن الشربَ قائمًا لم يُنسَخ.
قلت: يجوزُ خفاءُ النهيِ على عليِّ - رضي الله عنه -، والأَولى أن يُقال: المنهيُّ عنه: الشربُ الذي يَتخذُه الناسُ عادةً.
* * *

الصفحة 588