كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 100 "
أي مقالتهم ، وتخريج الزمخشري ملفق من كلام أبي علي وأما من كانت أمك فإنه حمل اسم كان على معنى من ، لأن من لها لفظ مفرد ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث وليس الحمل على المعنى لمراعاة الخبر ، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر نحو ومنهم من يستمعون إليك . ونكن مثل من يا ذئب يصطحبان . ومن تقنت في قراءة التاء فليست تأنيث كانت لتأنيث الخبر وإنما هو للحمل على معنى من حيث أردت به المؤنث وكأنك قلت أية امرأة كانت أمك . وقرأ الأخوان ) وَاللَّهِ رَبّنَا ( بنصب الباء على النداء أي يا ربنا ، وأجاز ابن عطية فيه النصب على المدح وأجاز أبو البقاء فيه إضمار أعني وباقي السبعة بخفضها على النعت ، وأجازوا فيه البدل وعطف البيان . وقرأ عكرمة وسلام بن مسكين والله ربنا برفع الاسمين . قال ابن عطية : وهذا على تقديم وتأخير أنهم قالوا : ) مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( ) وَاللَّهِ رَبّنَا ( ومعنى ) مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( جحدوا إشراكهم في الدنيا ، روي أنهم إذا رأوا إخراج من في النار من أهل الإيمان ضجوا فيوقفون ويقال لهم أين شركاؤكم ؟ فينكرون طماعية منهم أن يفعل بهم ما فعل بأهل الإيمان وهذا الذي روي مخالف لظاهر الآية ، وهو ) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ( ثم نقول فظاهره أنه لا يتراخى القول عن الحشر هذا التراخي البعيد من دخول العصاة المؤمنين النار وإقامتهم فيها ما شاء الله وإخراجهم منها ، ثم بعد ذلك كله يقال لهم أين شركاؤكم ؟ وأتى رجل إلى ابن عباس فقال : سمعت الله يقول : ) وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( وفي أخرى ) وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ( فقال ابن عباس : لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن قالوا : تعالوا فلنجحد وقالوا : ) مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( فختم الله على أفواههم وتكلمت جوارحهم فلا يكتمون الله حديثاً .
الأنعام : ( 24 ) انظر كيف كذبوا . . . . .
( انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ( الخطاب للرسول عليه السلام والنظر قلبي و ) كَيْفَ ( منصوب ب ) كَذَّبُواْ ( والجملة في موضع نصب بالنظر لأن ) أَنظُرْ ( معلقة و ) كَذَّبُواْ ( ماض وهو في أمر لم يقع لكنه حكاية عن يوم القيامة ولا إشكال في استعمال الماضي فيها موضع المستقبل تحقيقاً لوقوعه ولا بد .
قال الزمخشري ( فإن قلت ) : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب والجحود لا وجه لمنفعته . ( قلت ) : الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشاً ، ألا تراهم يقولون ) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ( وقد أيقنوا بالخلود ولم يشكوا فيه وقالوا : يا مالك ليقض علينا ربك وقد علموا أنه لا يقضي عليهم ، وأما قول من يقول معنا ) وَمَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ( عند أنفسنا أو ما علمنا إنا على خطأ في معتقدنا ، وحمل قوله : ) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ( يعني في الدنيا فتحمل وتعسف وتحريف لأفصح الكلام إلى ما هو عيّ وإفحام ، لأن المعنى الذي ذهبوا إليه ليس هذا الكلام بمترجم عنه ولا بمنطبقٍ عليه ، وهو ناب عنه أشدّ النبوّ وما أدري ما يصنع من ذلك تفسيره بقوله : ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَىْء أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( بعد قوله : ) وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( فشبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا ؛ انتهى . وقول الزمخشري . وأما قول من يقول فهو إشارة إلى أبي عليّ الجبائي والقاضي عبد الجبار ومن وافقهما أن أهل القيامة لا يجوز إقدامهم على الكذب واستدلوا بأشياء تؤول إلى

الصفحة 100