كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 101 "
مسألة القبح والحسن ، وبناء ما قالوه عليها ذكرها أبو عبد الله الرازي في تفسير فتطالع هناك ، إذ مسألة التقبيح والتحسين خالفوا فيها أهل السنة وجمهور المفسّرين ، يقولون : إن الكفار يكذبون في الآخرة وظواهر القرآن دالة على ذلك وقد خالف الزمخشري هنا أصحابه المعتزلة ووافق أهل السنة .
( وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ( يحتمل أن تكون ) مَا ( مصدرية وإليه ذهب ابن عطية قال : معناه ذهب افتراؤهم في الدنيا وكفرهم بادعائهم لله الشركاء . وقيل : من اليمين الفاجرة في الدار الآخرة وقيل عزب عنهم افتراؤهم للحيرة التي لحقتهم ، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي وإليه ذهب الزمخشري . قال : وغاب ) عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ( ألوهيته وشفاعته وهو معنى قول الحسن وأبي عليّ قالا : لم يغن عنهم شيئاً ما كانوا يعبدون من الأصنام في الدنيا . وقيل : هو قولهم ما كنا ) نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ( فذهب عنهم حيث علموا أن لا تقريب منهم ، ويحتمل أن يكون ) وَضَلَّ ( عطف على كذبوا فيدخل في خبر ) أَنظُرْ ( ويحتمل أن يكون إخباراً مستأنفاً فلا يدخل في حيزه ولا يتسلط النظر عليه .
الأنعام : ( 25 ) ومنهم من يستمع . . . . .
( وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءاذَانِهِمْ وَقْراً ). روى أبو صالح عن ابن عباس أن أبا سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأمية وأبياً استمعوا للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة ما يقول محمد فقال : ما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان صاحب أشعار جمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم واسفنديار فكان يحدث قريشاً فيستمعون له فقال أبو سفيان : إني لأرى بعض ما يقول حقاً . فقال أبو جهل : كلا لا تقر بشيء من هذا وقال الموت أهون من هذا ، فنزلت والضمير في ) وَمِنْهُمُ ( عائد على الذين أشركوا ، ووحد الضمير في ) يَسْتَمِعِ ( حملاً على لفظ ) مِنْ ( وجمعه في ) عَلَى قُلُوبِهِمْ ( حملاً على معناها والجملة من قوله : ) وَجَعَلْنَا ( معطوفة على الجملة قبلها عطف فعلية على اسمية فيكون إخباراً من الله تعالى أنه جعل كذا . وقيل : الواو واو الحال أي وقد جعلنا أي ننصت إلى سماعك وهم من الغباوة ، في حد من قلبه في كنان وأذنه صماء وجعل هنا يحتمل أن تكون بمعنى ألقى ، فتتعلق على بها وبمعنى صير فتتعلق بمحذوف إذ هي في موضع المفعول الثاني ويجوز أن تكون بمعنى خلق ، فيكون في موضع الحال لأنها في موضع نعت لو تأخرت ، فلما تقدّمت صارت حالاً والأكنة جمع كنان كعنان وأعنة والكنان الغطاء الجامع .
قال الشاعر : إذا ما انتضوها في الوغى من أكنة
حسبت بروق الغيث هاجت غيومها
و ) أَن يَفْقَهُوهُ ( في موضع المفعول من أجله تقديره عندهم كراهة أن يفقهوه . وقيل : المعنى أن ) لا يَفْقَهُوهُ ( وتقدّم نظير هذين التقديرين . وقرأ طلحة بن مصرّف وقرأ بكسر الواو كأنه ذهب إلى أن ) ءاذَانِهِمْ ( وقرت بالصمم كما توقر الدابة من الحمل ، والظاهر أن الغطاء والصمم هنا ليسا حقيقة بل ذلك من باب استعارة المحسوس للمعقول حتى يستقر في النفس ، استعار الأكنة لصرف قلوبهم عن تدبر آيات الله ، والثقل في الأذن لتركهم الإصغاء إلى سماعه ألا تراهم قالوا : ) لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ ( فلما لم يتدبروا ولم يصغوا كانوا بمنزلة من على قلبه غطاء وفي أذنه وقر . وقال قوم : ذلك حقيقة وهو لا يشعر به كمداخلة الشيطان باطن الإنسان وهو لا يشعر به

الصفحة 101