كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 11 "
وقيل معناه لا تعتقدوا تحريم ما أحلّه الله لكم .
وقيل : لا تحرّموا على نفسكم بالفتوى .
وقيل لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين لقوله : ) لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ). وقيل : خلط المغصوب بالمملوك خلطاً لا يتميز منه فيحرم الجميع ويكون ذلك سبباً لتحريم ما كان حلالاً ) وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( هذا نهي عن الاعتداء فيدخل فيه جميع أنواع الاعتداء ولا سيما ما نزلت الآية بسببه .
قال الحسن : لا تجاوزوا ما حدّ لكم من الحلال إلى الحرام ، واتبعه الزمخشري فقال : ولا تتعدوا حدود ما أحل الله لكم إلى ما حرم عليكم ، وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وإبراهيم : لا تعتدوا بالخنا وتحريم النساء ، وقال عكرمة أيضاً : لا تسيروا بغير سيرة الإسلام ، وقال السدي وعكرمة أيضاً : هو نهي عن هذه الأمور المذكورة من تحريم ما أحل الله ، فهو تأكيد لقوله ) لاَ تُحَرّمُواْ ( وقيل : ولا تعتدوا بالإسراف في تناول الطيبات كقوله : ) وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ (
المائدة : ( 88 ) وكلوا مما رزقكم . . . . .
( وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالاً طَيّباً ( تقدم تفسير مثلها في قوله : ) النَّارِ يأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى الاْرْضِ حَلَالاً طَيّباً ( ) وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ( تأكيد للوصية بما أمر به وزاده تأكيداً بقوله : ) الَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ( لأن الإيمان به يحمل على التقوى في امتثال ما أمر به واجتناب ما نهي عنه .
المائدة : ( 89 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاْيْمَانَ ( تقدم الكلام في تفسير نظير هذه الجملة ، ومعنى ) عَقَّدتُّمُ ( وثقتم بالقصد والنية ، وقرأ الحرميان وأبو عمر بتشديد القاف ، وقرأ الأخوان وأبو بكر بتخفيفها ، وابن ذكوان بألف بين العين والقاف ، وقرأ الأعمش بما عقدت الأيمان جعل الفعل للأيمان فالتشديد إما للتكثير بالنسة إلى الجمع ، وأما لكونه بمعنى المجرد نحو قدّر وقدر ، والتخفيف هو الأصل ، وبالألف بمعنى المجرد نحو جاوزت الشيء وجزته ، وقاطعته وقطعته ، أي هجرته . وقال أبو علي الفارسي : عاقدتم يحتمل أمرين أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص ، انتهى ، وليس مثله لأنك لا تقول طرقت النعل ولا عقبت اللص بغير ألف ، وهذا تقول فيه عاقدت اليمين وعقدت ياليمين ، وقال الحطيئة :
قوم إذا عاقدوا عقداً لجارهم
فجعله بمعنى المجرد وهو الظاهر كما ذكرناه .
قال أبو علي : والآخر أن يراد به فاعلت التي تقتضي فاعلين كأن المعنى بما عاقدتم عليه الأيمان عداه بعلى لما كان بمعنى عاهد ، قال : ) بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ ( كما عدى ) نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ ( ) بإلى ( ، وبابها أن تقول ناديت زيداً ) نَّبِيّاً وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الاْيْمَنِ ( لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا قال ) مّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ( ثم اتسع فحذف الجار ونقل الفعل إلى المفعول ، ثم المضمر العائد من الصلة إلى الموصول ، إذ صار بما عاقدتموه الأيمان ، كما حذف من قوله ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ( انتهى ، وجعل عاقد لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظاً والاشتراك فيهما معنى بعيد إذ يصير المعنى أن اليمين عاقدته كما عاقدها إذ نسب ذلك إليه وهو عقدها هو على سبيل الحقيقة ، ونسبة ذلك إلى اليمين هو على سبيل المجاز لأنها لم تعقده بل هو الذي عقدها . وأما تقديره بما عاقدتم عليه وحذف حرف الجر ، ثم الضمير على التدريج الذي ذكره فهو أيضاً بعيد ، وليس تنظيره ذلك بقوله ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ( بسديد لأن أمر يتعدى بحرف الجر تارة وبنفسه تارة إلى المفعول الثاني وإن كان أصله الحذف تقول أمرتُ زيداً الخير ، وأمرته بالخير ، ولأنه لا يتعين في ) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ( أن تكون ما موصولة بمعنى الذي ، بل يظهر أنها

الصفحة 11