كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 120 "
المضارع المنفيّ بلم لأنه ماض ، ولا يكون بصيغة المضارع إلا في الشعر .
( وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( أي إما يخلق ذلك في قلوبهم أولاً فلا يضل أحد وإما يخلقه فيهم بعد ضلالهم ، ودلّ هذا التعليق على أنه تعالى ما شاء منهم جميعهم الهدى ، بل أراد إبقاء الكافر على كفره .
قال أبو عبد الله الرازي : ويقرر هذا الظاهر أن قدرة الكافر على الكفر إن لم تكن صالحة للإيمان ، فالقدرة على الكفر مستلزمة له غير صالحة للإيمان فخالق تلك القدرة يكون قد أراد الكفر لا محالة ، وإن كانت صالحة له كما صلحت للكفر استوت نسبة القدرة إليهما فامتنع الترجيح إلا الداعية مرجحة ، وليست من العبد وإلا وقع التسلسل ، فثبت أن خالق تلك الداعية هو الله وثبت أن مجموع الداعية الصالحة توجب الفعل وثبت أن خالق مجموع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر غير مريد لذلك الإيمان ، فهذا البرهان اليقيني قوي ظاهر هذه الآية ، ولا بيان أقوى من تطابق البرهان مع ظاهر القرآن .
وقال ابن عطية : وهذه الآية تردّ على القدرية المفوّضة الذين يقولون : إن القدرة لا تقتضي أن يؤمن الكافر وأن ما يأتيه الإنسان من جميع أفعاله لا خلق فيه تعالى الله عن قولهم .
وقال الزمخشري : ) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( بآية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة ؛ اتهى ، وهذا قول المعتزلة .
وقال القاضي : والإلجاء أن يعلمهم أنهم لو حاولوا غير الإيمان لمنعهم منه ، وحينئذ يمتنعون من فعل شيء غير الإيمان ، وهو تعالى إنما ترك فعل هذا الإلجاء لأن ذلك يزيل تكليفهم ، فيكون ما وقع منهم كأن لم يقع ، وإنما أراد تعالى أن ينتفعوا بما يختارونه من قبل أنفسهم من جهة الوصلة به إلى الثواب ، وذلك لا يكون إلا اختياراً ، وأجاب أبو عبد الله الرازي بأنه تعالى أراد منهم الإقدام على الإيمان حال كون الداعي إلى الإيمان وإلى الكفر بالسوية ، أو حال حصول هذا الرجحان ، والأول تكليف ما لا يطاق لأن الأمر بتحصيل الرجحان حال حصول الاستواء تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال ، وإن كان الثاني فالطرف الراجح يكون واجب الوقوع ، والطرف المرجوح يكون ممتنع الوقوع ، وكل هذه الأقسام تنافي ما ذكروه من المكنة والاختيارات ، فسقط قولهم بالكلية .
( فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( تقدم قول ابن عطية في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله تعالى ، وأمضاه ، وعلم المصلحة فيه .
وقال أيضاً : و ) مِنَ الْجَاهِلِينَ ( يحتمل في أن لا تعلم أن الله ) لَوْ شَاء لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( ويحتمل في أن تهتم بوجود كفرهم الذي قدره الله وأراده ، وتذهب بك نفسك إلى ما لم يقدر الله ، انتهى . وضعف الاحتمال الأول بأنّه ( صلى الله عليه وسلم ) ) مع كمال ذاته وتوفر معلوماته وعظيم اطّلاعه على ما يليق بقدرة الحقّ جلّ جلاله ، واستيلائه على جميع مقدوراته ، لا ينبغي أن يوصف بأنه جاهل بأنه تعالى لو شاء لجمعهم على الهدى ، لأن هذا من قبيل الدين والعقائد ، فلا يجوز أن يكون جاهلاً بها ، وكأن الزمخشري قد فسر قوله : ) وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ( بأن تأتيهم آية ملجئة ، ولكنه لا يفعل لخروجه عن الحكمة فقال في قوله : ) فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ( من الذين يجهلون ذلك ويرومون ما هو خلافه . وأشار بذلك إلى الإتيان بالآية الملجئة إلى الإيمان وتقدم الكلام في الإلجاء .
وقيل : لا تجهل أنه يؤمن بك بعضهم ويكفر بعضهم ، وضعف بأن هذا ليس مما يجهله ( صلى الله عليه وسلم ) ) .
وقيل لا تكوننّ ممن لا صبر له لأن قلة الصبر

الصفحة 120