كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 123 "
الطرد الإبعاد بإهانة والطريد المطرود ، وبنو مطرود وبنو طراد فخذان من إياد .
( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ( إنما يستجيب للإيمان الذين يسمعون سماع قبول وإصغاء كما قال : ) إِنَّ فِى ذالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ( ويستجيب بمعنى يجيب . وفرّق الرماني بين أجاب واستجاب بأن استجاب فيه قبول لما دعي إليه . قال : ) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ( ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمّ ( وليس كذلك أجاب لأنه قد يجيب بالمخالفة .
قال الزمخشري يعني أن الذين تحرص على أن يصدقوك بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ، وإنما يستجيب من يسمع كقوله ) إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى ).
وقال ابن عطية هذا من النمط المتقدم في التسلية ، أي لا تحفل بمن أعرض فإنما يستجيب لداعي الإيمان الذين يفهمون الآيات ويتلقون البراهين بالقبول فعبر عن ذلك كله بيسمعون . إذ هو طريق العلم بالنبوة والآيات المعجزة . وهذه لفظة تستعملها الصوفية إذا بلغت الموعظة من أحد مبلغاً شافياً قالوا استمع ) وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ( الظاهر أن هذه جملة مستقلة من مبتدأ وخبر ، والظاهر أن الموت هنا والبعث حقيقة وذلك إخبار من الله تعالى أن الموتى على العموم من مستجيب وغير مستجيب ، يبعثهم الله فيجازيهم على أعمالهم وجاء لفظ الموتى عاماً لإشعار ما قبله بالعموم في قوله ) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ( إذ الحصر يشعر بالقسم الآخر وهو أن من لا يسمع سماع قبول ، لا يستجيب للإيمان وهم الكفار . وصار في الإخبار عن الجميع بالبعث والرجوع إلى جزاء الله تعالى ، تهديد ووعيد شديد لمن لم يستحب وتظافرت أقوال المفسرين أن قوله والموتى يراد به الكفار . سموا بالموتى كما سموا بالصمِّ والبكم والعمي وتشبيه الكافر بالميت من حيث إنّ الميت جسده خالٍ عن الروح ، فيظهر منه النتن والصديد والقيح وأنواع العفونات . وأصلح أحواله دفنه تحت التراب . والكافر روحه خالية عن العقل فيظهر منه جهله بالله تعالى ومخالفاته لأمره وعدم قبوله لمعجزات الرسل ، وإذا كانت روحه خالية من العقل كان مجنوناً فأحسن أحواله أن يقيَّد ويحبس . فالعقل بالنسبة إلى الرّوح كالروح بالنسبة إلى الجسد . وإذا كان المراد بالموتى هنا الكفار فقيل البعث يراد به حقيقته من الحشر يوم القيامة والرجوع هو رجوعهم إلى سطوته وعقابه ، قاله مجاهد وقتادة .
وعلى هذا تكون هذه الجملة متضمنة الوعيد للكفار . وقيل الموت والبعث حقيقة والجملة مثل لقدرته على إلجائهم إلى الاستجابة بأنه هو الذي يبعث الموتى من القبور يوم القيامة ) ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ( للجزاء ، فكان قادراً على هؤلاء الموتى بالكفر أن يحييهم بالإيمان وأنت لا تقدر على ذلك قاله الزمخشري . وقيل الموت والبعث مجازان استعير الموت للكفر والبعث للإيمان .
فقيل الجملة من قوله والموتى يبعثهم الله مبتدأ وخبر أي والموتى بالكفر يحييهم الله بالإيمان .
وقيل ليس جملة بل الموتى معطوف على الذين يسمعون ، ويبعثهم الله جملة حالية . والمعنى إنما يستجيب الذين يسمعون سماع قبول ، فيؤمنون بأول وهلة والكفار حتى يرشدهم الله تعالى ويوفقهم للإيمان ، فلا تتأسف أنت ولا تستعجل ما لم يقدر .
وقرىء ثم إليه يرجعون بفتح الياء من رجع اللازم .

الصفحة 123