كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 130 "
) أَرَأَيْتَ الَّذِى يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى ( أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم . وقال الشاعر : أرأيت إن جاءت به أملودا
مرجّلاً ويلبس البرودا
أقائلن أحضروا الشهودا
وذهب ابن كيسان إلى أن الجملة الاستفهامية في أرأيت زيداً ما صنع بدل من أرأيت ، وزعم أبو الحسن إن أرأيتك إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام ، لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام وزعم أيضاً أنها تخرج عن بابها بالكلية وتضمن معنى أما أو تنبه وجعل من ذلك قوله تعالى : قال ) أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنّى نَسِيتُ الْحُوتَ ( وقد أمعنا الكلام على أرأيت ومسائلها في كتابنا المسمى بالتذييل في شرح التسهيل وجمعنا فيه ما لا يوجد مجموعاً في كتاب فيوقف عليه فيه ، ونحن نتكلم على كل مكان تقع فيه أرأيت في القرآن بخصوصيته . فنقول الذي نختاره إنها باقية على حكمها من التعدّي إلى اثنين فالأول منصوب والذي لم نجده بالاستقراء إلا جملة استفهامية أو قسمية ، فإذا تقرر هذا فنقول : المفعول الأول في هذه الآية محذوف والمسألة من باب التنازع تنازع ) أَرَأَيْتُكُم ( والشرط على عذاب الله فأعمل الثاني وهو ) ءاتَاكُمُ ( فارتفع عذاب به ، ولو أعمل الأول لكان التركيب عذاب بالنصب ونظيره اضرب إن جاءك زيد على أعمال جاءك ، ولو نصب لجاز وكان من أعمال الأول وأما المفعول الثاني فهي الجملة الاستفهامية من ) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ( والرابط لهذه الجملة بالمفعول الأول محذوف تقديره ) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ( لكشفه والمعنى : قل أرأيتكم عذاب الله إن أتاكم أو الساعة إن أتتكم أغير الله تدعون لكشفه أو كشف نوار لها ، وزعم أبو الحسن أن ) أَرَأَيْتُكُم ( في هذه الآية بمعنى أما .
قال وتكون أبداً بعد الشرط وظروف الزمان والتقدير أما إن أتاكم عذابه والاستفهام جواب أرأيت لا جواب الشرط وهذا إخراج لأرأيت عن مدلولها بالكلية ، وقد ذكرنا تخريجها على ما استقر فيها فلا نحتاج إلى هذا التأويل البعيد ، وعلى ما زعم أبو الحسن لا يكون لأرأيت مفعولان ولا مفعول واحد ، وذهب بعضهم إلى أن مفعول ) أَرَأَيْتُكُم ( محذوف دل عليه الكلام تقديره أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم عند مجيء الساعة ؟ ودل عليه قوله : ) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ). وقال آخرون لا تحتاج هنا إلى جواب مفعول لأن الشرط وجوابه قد حصلا معنى المفعول وهذان القولان ضعيفان ، وأما جواب الشرط فذهب الحوفي إلى أن جوابه ) أَرَأَيْتُكُم ( قدّم لدخول ألف الاستفهام عليه وهذا لا يجوز عندنا ، وإنما يجوز تقديم جواب الشرط عليه في مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد وذهب غيره إلى أنه محذوف فقدره الزمخشري فقال : إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون ؟ وإصلاحه بدخول الفاء أي فمن تدعون ؟ لأن الجملة الاستفهامية إذا وقعت جواباً للشرط فلا بد فيها من الفاء ؟ وقدره غيره إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة دعوتم الله ودل عليه الاستفهام في قوله : ) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ).
وقال الزمخشري : ويجوز أن يتعلق الشرط بقوله : ) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ( كأنه قيل أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله ؛ انتهى . فلا يجوز أن يتعلق الشرط بقوله : ) أَغَيْرَ اللَّهِ ( لأنه لو تعلق به لكان جواباً للشرط ، فلا يجوز أن يكون جواباً للشرط لأن جواب الشرط إذا كان استفهاماً بالحرف لا يكون إلا بهل مقدماً عليها الفاء نحو أن قام زيد فهل تكرمه ؟ ولا يجوز ذلك في الهمزة لا تتقدم الفاء على الهمزة ولا تتأخر عنها ، فلا يجوز إن قام زيد فأتكرمه ولا أفتكرمه

الصفحة 130