كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 136 "
القراء كيف نصرف من صرف ثلاثياً .
الأنعام : ( 47 ) قل أرأيتكم إن . . . . .
( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ( هذا تهديد ثالث فالأول بأحد أمرين : العذاب والساعة ، والثاني : بالأخذ والختم ، والثالث : بالعذاب فقط . قيل : ) بَغْتَةً ( فجأة لا يتقدم لكم به علم وجهرة تبدو لكم مخايلة ثم ينزل . وقال الحسن : ) بَغْتَةً ( ليلاً وجهرة نهاراً . وقال مجاهد : ) بَغْتَةً ( فجأة آمنين وجهرة وهم ينظرون ، ولما كانت البغتة تضمنت معنى الخفية صح مقابلتها للجهرة وبدىء بها لأنها أردع من الجهرة ، والجملة من قوله ) هَلْ يُهْلَكُ ( معناها النفي أي ما يهلك ) إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ( ولذلك دخلت إلا وهي في موضع المفعول الثاني لا رأيتكم والرابط محذوف أي هل يهلك به ؟ والأول من مفعولي ) أَرَأَيْتُكُم ( محذوف من باب الإعمال لما قررناه ، ولما كان التهديد شديداً جمع فيه بين أداتي الخطاب والخطاب لكفار قريش والعرب وفي ذكر الظلم تنبيه على علة الإهلاك والمعنى هل يهلك إلا أنتم لظلمكم ؟ وقرأ ابن محيصن : ) هَلْ يُهْلَكُ ( مبنياً للفاعل .
الأنعام : ( 48 ) وما نرسل المرسلين . . . . .
( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ ( أي ) مُبَشّرِينَ ( بالثواب ) وَمُنذِرِينَ ( بالعقاب وانتصب ) مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ ( على الحال وفيهما معنى العلية ، أي أرسلناهم للتبشير والإنذار لا لأن تقترح عليهم الآيات بعد وضوح ما جاؤوا به وتبيين صحته .
( فَمَنْ ءامَنَ وَأَصْلَحَ ( أي من صدق بقلبه وأصلح في عمله .
الأنعام : ( 49 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
( فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ( جعل ) الْعَذَابَ ( ماساً كأنه ذو حياة يفعل بهم ما شاء من الآلام . وقرأ علقمة : نمسهم العذاب بالنون من أمس وأدغم الأعمش العذاب بما كأبي عمرو . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش ) يَفْسُقُونَ ( بكسر السين .
الأنعام : ( 50 ) قل لا أقول . . . . .
( قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ بِالْغَيْبِ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ ( قال الزمخشري : أي لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله وهي قسمة بين الخلق وأرزاقه وعلم الغيب ، وإني من الملائكة الذين هم أشرف جنس خلقه الله وأفضله وأقربه منزلة منه ، أي لم أدع الألوهية ولا الملكية لأنه ليس بعد الإلهية منزلة أرفع من منزلة الملائكة حتى تستبعدون دعواي وتستنكرونها ، وإنما ادّعيّ ما كان مثله لكثير من البشر وهو النبوة ، انتهى . وما قاله : من أن المعنى إني أقول لكم إني لست بإله فأنصف بصفاته من كينونة خزائنه عندي وعلم الغيب ، وهو قول الطبري ، والأظهر أنه يريد أنه بشر لا شيء عنده من خزائن الله ولا من قدرته ولا يعلم شيئاً مما غاب عنه قاله ابن عطية . وأما قول الزمخشري في الملائكة هم أشرف جنس خلقه الله وأفضله وأقربه منزلة فهو جار على مذهب المعتزلة من أن الملك أفضل خلق الله ، وقد استدل الجبائي بهذه الآية على أن الملائكة أفضل من الأنبياء قال : لأن معنى الآية لا أدّعيّ منزله فوق منزلتي فلولا أن الملك أفضل لم يصح ذلك . قال القاضي : إن كان الغرض مما نفى طريقة التواضع فالأقرب أن يدل على أن الملك أفضل وإن كان نفى قدرته عن أفعال لا يقوى عليها إلا الملائكة لم يدل على كونهم أفضل ؛ انتهى .
وقد تكلمنا على ذلك عند قوله : ) وَلاَ الْمَلَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ). وقال ابن عطية : وتعطى قوة اللفظ في هذه الآية أن الملك فضل من البشر وليس

الصفحة 136