كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 172 "
يخرب ملكه على يديه ، وأنه تقدّم إلى أنه من ولد من أنثى تركت ومن ذكر ذبحه إلى أن صار ابن عشرة أعوام ، وقيل : خمسة عشر وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكوكب فحكاية يدفعها مساق الآية ، وقوله : ) إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ ( وقوله : ) تِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْراهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ( وتأول بعضهم ذلك على إضمار القول وكثيراً ما يضمر تقديره قال : يقولون هذا ربي على حكاية قولهم وتوضيح فساده مما يظهر عليه من سمات الحدوث ولا يحتاج هذا إلى الإضمار بل يصح أن يكون هذا كقوله تعالى : ) أَيْنَ شُرَكَائِىَ ( أي على زعمكم ، وقال الزمخشري : ) هَاذَا رَبّى ( قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة انتهى ، فيكون هذا القول منه استدراجاً لإظهار الحجة وتوسلاً إليها كما توسل إلى كسر الأصنام بقوله : ) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ ( فوافقهم ظاهراً على النظر في النجوم وأوهمهم أن قوله إني سقيم ناشىء عن نظره فيها .
( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الاْفِلِينَ ( أي لا أحب عبادة الآفلين المتغيرين عن حال إلى حال المنتقلين من مكان إلى مكان المحتجبين بستر فإن ذلك من صفات الأجرام وإنما احتج بالأفول دون البزوغ ، وكلاهما انتقال من حال إلى حال ، لأن الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب ، وجاء بلفظ الآفلين ليدل على أن ثم آفلين كثيرين ساواهم هذا الكوكب في الأفول فلا مزية له عليهم في أن يعبد للاشتراك في الصفة الدالة على الحدوث .
الأنعام : ( 77 ) فلما رأى القمر . . . . .
( فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَاذَا رَبّى ( لم يأت في الكواكب رأى كوكباً بازغاً لأنه أولاً ما ارتقب حتى بزغ الكوكب لأنه بإظلام الليل تظهر الكواكب بخلاف حاله مع القمر والشمس فإنه لما أوضح لهم أن هذا النير وهو الكوكب الذي رآه لا يصلح أن يكون رباً ارتقب ما هو أنور منه وأضوأ على سبيل إلحاقه بالكوكب ، والاستدلال على أنه لا يصلح للعبادة فرآه أول طلوعه وهو البزوغ ، ثم عمل كذلك في الشمس ارتقبها إذ كانت أنور من القمر وأضوأ وأكبر جرماً وأهم نفعاً ومنها يستمد القمر على ما قيل فقال ذلك على سبيل الاحتجاج عليهم وبين أنها مساوية للقمر والكواكب في صفة الحدوث .
( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن يَهْدِنِى رَبّى لاَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالّينَ ( القوم الضالون هنا عبدة المخلوقات كالأصنام وغيرها واستدل بهذا من زعم أن قوله : ) هَاذَا رَبّى ( على ظاهره وأن النازلة كانت في حال الصغر ، وقال الزمخشري ) لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبّى ( تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلهاً وهو نظير الكوكب في الأفول فهو ضال فإن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه .
الأنعام : ( 78 ) فلما رأى الشمس . . . . .
( فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَاذَا رَبّى هَاذَا أَكْبَرُ ( المشهور في الشمس أنها مؤنثة . وقيل : تذكر وتؤنث فأنثت أولاً على المشهور وذكرت في الإشارة على اللغة القليلة مراعاة ومناسبة للخبر ، فرجحت لغة التذكير التي هي أقل على لغة التأنيث وأما من لم ير فيها إلا التأنيث . فقال ابن عطية : ذكر أي هذا المرئي أو النير وقدره الأخفش ، هذا الطالع ، وقيل : الشمس بمعنى الضياء قال تعالى : ) جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء ( فأشار إلى الضياء والضياء مذكر ، وقال الزمخشري : جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد كقولهم : ما جاءت حاجتك وما كانت أمك ، ولم تكن فتنتعم إلا أن قالوا وكان اختيار هذه الطريقة واجباً لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ألا تراهم قالوا في صفة الله : علام ولم يقولوا علامة ، وإن كان علامة أبلغ احترازاً من علامة التأنيث انتهى ، ويمكن أن أكثر لغة الأعاجم لا يفرقون في الضمائر ولا في الإشارة بين المذكر والمؤنث ، ولا علامة عندهم للتأنيث بل المذكر والمؤنث سواء في ذلك عندهم فلذلك أشار إلى المؤنث عندنا حين حكى كلام إبراهيم بما يشار به إلى المذكر ، بل لو كان

الصفحة 172