كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 183 "
بين يدي القيامة .
( وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ( أم القرى مكة وسميت بذلك لأنها منشأ الدين ودحو الأرض منها ولأنها وسط الأرض ولكونها قبلة وموضع الحج ومكان أول بيت وضع للناس ، والمعنى : ) وَلِتُنذِرَ ( أهل ) أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ( وهم سائر أهل الأرض قاله ابن عباس ، وقيل : العرب وقد استدل بقوله : ) أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ( طائفة من اليهود زعموا أنه رسول إلى العرب فقط ، قالوا : ) وَمَنْ حَوْلَهَا ( هي القرى المحيطة بها وهي جزيرة العرب ، وأجيب بأن ) وَمَنْ حَوْلَهَا ( عام في جميع الأرض ولو فرضنا الخصوص لم يكن في ذكر جزيرة العرب دليل على انتفاء الحكم عن ما سواها إلا بالمفهوم وهو ضعيف ، وحذف أهل الدلالة المعنى عليه لأن الأبنية لا تنذر كقوله : ) وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ ( لأن القرية لا نسأل ولم تحذف من فيعطف ) حَوْلَهَا ( على ) أُمَّ الْقُرَى ( وإن كان من حيث المعنى كان يصح لأن حول ظرف لا يتصرف فلو عطف على أم القرى لزم أن يكون مفعولاً به لعطفه على المفعول به وذلك لا يجوز لأن في استعماله مفعولاً به خروجاً عن الظرفية وذلك لا يجوز فيه لأنه كما قلنا لم تستعمله العرب إلاّ لازم الظرفية غير متصرف فيه بغيرها ، وقرأ أبو بكر لينذر أي القرآن بمواعظه وأوامره ، وقرأ الجمهور ) وَلِتُنذِرَ ( خطاباً للرسول والمعنى ) وَلِتُنذِرَ ( به أنزلناه فاللام تتعلق بمتأخر محذوف دل عليه ما قبله ، وقال الزمخشري : ) وَلِتُنذِرَ ( معطوف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل : أنزلنا للبركات وتصديق ما تقدمه من الكتب والإنذار .
( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالاْخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ( الظاهر أن الضمير في ) بِهِ ( عائد على الكتاب أي الذين يصدقون بأن لهم حشراً ونشراً وجزافء تؤمنون بهذا الكتاب لما انطوى عليه من ذكر الوعد والوعيد والتبشير والتهديد ، إذ ليس فيه كتاب من الكتب الإلهية ولا في شريعة من الشرائع ما في هذا الكتاب ولا ما في هذه الشريعة من تقدير يوم القيامة والبعث ، والمعنى : يؤمنون به الإيمان المعتضد بالحجة الصحيحة وإلا فأهل الكتاب يؤمنون بالبعث ولا يؤمنون بالقرآن واكتفى بذكر الإيمان بالبعث وهو أحد الأركان الستة التي هي واجب الوجود والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر لأن الإيمان به يستلزم الإيمان بباقيها ولإسماع كفار العرب وغيرهم ممن لا يؤمن بالبعث ، أن من آمن بالبعث آمن بهذا الكتاب وأصل الدين خوف العاقبة فمن خالفها لم يزل به الخوف حتى يؤمن ، وقيل : يعود الضمير على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) .
( وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( خص الصلاة لأنها عماد الدين ومن حافظ عليها كان محافظاً على أخواتها ومعنى المحافظة المواظبة على أدائها في أوقاتها على أحسن ما توقع عليه والصلاة أشرف العبادات بعد الإيمان بالله ولذلك لم يوقع اسم الإيمان على شيء من العبادات إلا عليها قال تعالى : ) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ( أي صلاتكم ولم يقع الكفر على شيء من المعاصي إلا على تركها . روي : ( من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر ) ، وقرأ الجمهور ) عَلَى صَلاَتِهِمْ ( التوحيد والمراد به الجنس وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر صلواتهم بالجمع ذكر ذلك أبو علي الحسن بن محمد بن إبراهيم البغدادي في كتاب الروضة من تأليفه وقال تفرد بذلك عن جميع الناس .
الأنعام : ( 93 ) ومن أظلم ممن . . . . .
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْء وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ ( ذكر الزهراوي والمهدوي أن الآية نزلت في النضر بن الحارث قيل : وفي المستهزئين معه لأنه عارض القرآن بقوله : والزارعات زرعاً والخابزات خبزاً والطابخات طبخاً والطاحنات طحناً واللاقمات لقماً إلى غير ذلك من السخافات ، وقال قتادة وغيره : المراد بها مسيلمة الحنفي والأسود العنسي وذكروا رؤية الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) للسوارين ، وقال الزمخشري : وهو مسيلمة الحنفي أو كذاب صنعاء الأسود العنسي . وقال السدي : المراد بها عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أخو عثمان من الرضاعة كتب آية ) قَدْ أَفْلَحَ ( بين يدي

الصفحة 183