كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 206 "
بإحاطة العلم .
وقال الكعبي : المراد أنا لا نفعل بهم ما نفعل بالمؤمنين من الفوائد والألطاف من حيث أخرجوا أنفسهم عن الهداية بسبب الكفر انتهى .
وهو على طريقة الاعتزالي ومعنى تقليب القلب والبصر ما ينشأ عن القلب والبصر من الدواعي إلى الحيرة والضلال ، لأن القلب والبصر يتقلبان بأنفسهما فنسبة التقليب إليهما مجاز . وقدمت الأفئدة لأن موضع الدواعي والصوارف هو القلب فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر إليه شاء أم أبى ، وإذا حصلت الصوارف في القلب انصرف البصر عنه وإن كان تحدق النظر إليه ظاهراً وهذه التفاسير على أن ذلك في الدنيا .
وقالت فرقة : إن ذلك إخبار من الله تعالى يفعل بهم ذلك في الآخرة .
فروي عن ابن عباس أنه جواب لسؤالهم في الآخرة الرجوع إلى الدنيا . والمعنى لو ردّوا لحلنا بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا انتهى . وهذا ينبو عنه تركيب الكلام .
وقيل : تقليبها في النار في جهنم على لهيبها وجمرها ليعذبوا ) كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ( يعني في الدنيا وقاله الجبائي .
وقال أبو الهذيل : تقليب أفئدتهم بلوغها الحناجر كما قال تعالى : ) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ ).
وقيل : تقليب أبصارهم إلى الزرقة وحمل ذلك على أنه في الآخرة ضعيف قلق النظم ، لأن التقليب في الآخرة وتركهم في الطغيان في الدنيا ، فيختلف الظرفان من غير دليل على اختلافهما ، بل الظاهر أن ذلك إخبار مستأنف كما قررناه أولاً ، والكاف في كما ذكرنا أنها للتعليل ، وهو واضح فيها وإن كان استعمالها فيه قليلاً . وقالت فرقة كما : هي بمعنى المجازاة أي لما ) لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ( نجاريهم بأن ) وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ ( عن الهدى ونطيع على قلوبهم . فكأنه قال : ونحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم جزاء لما ) لَمْ يُؤْمِنُواْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ( بما دعوا إليه من الشرع . قاله ابن عطية ، وهو معنى التعليل الذي ذكرناه إلا أنّ تسمية ذلك بمعنى المجازاة غريبة ، لا يعهد في كلام النحويين أنّ الكاف للمجازاة . قيل : للتشبه
وقيل : وفي الكلام حذف تقديره فلا يؤمنون به ثاني مرة ) كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ).
وقيل : الكاف نعت لمصدر محذوف أي تقليباً لكفرهم ، أي عقوبة مساوية لمعصيتهم ، قاله أبو البقاء .
وقال الحوفي : نعت لمصدر محذوف والتقدير : لا يؤمنون به إيماناً ثانياً ) كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ( انتهى . والضمير عائد على الله أو القرآن أو الرسول ، أقوال وأبعد من ذهب إلى أنه يعود على القليب ، وانتصب أول مرة على أنه ظرف زمان .
وقرأ النخعي ويقلب ويذرهم بالياء فيهما والفاعل ضمير الله .
وقرأ أيضاً فيما روى عنه مغيرة وتقلب أفئدتهم وأبصارهم ، بالرفع فيهما على البناء للمفعول ، ويذرهم بالياء وسكون الراء . وافقه على ويذرهم الأعمش والهمداني .
وقال الزمخشري : وقرأ الأعمش وتقلب أفئدتهم وأبصارهم على البناء للمفعول .
2 ( ) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَىإِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاٌّ خِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِى حَكَماً وَهُوَ الَّذِىأَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَتَمَّت

الصفحة 206