كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 219 "
إقرار ) حَيْثُ ( على الظرفية المجازية على أن تضمن ) أَعْلَمُ ( معنى ما يتعدى إلى الظرف فيكون التقدير الله أنفذ علماً ) حَيْثُ يَجْعَلُ ( أي هو نافذ العلم في الموضع الذي يجعل فيه رسالته ، والظرفية هنا مجاز كما قلنا وروى ) السَّاحِرُ حَيْثُ ( بالفتح . فقيل : حركة بناء . وقيل : حركة إعراب ويكون ذلك على لغة بني فقعس فإنهم يعربون ) حَيْثُ ( حكاها الكسائي . وقرأ ابن كثير وحفص رسالته بالتوحيد وباقي السبعة على الجمع .
( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ ( هذا وعيد شديد وعلق الإصابة بمن أجرم ليعم الأكابر وغيرهم ، والصغار الذل والهوان يقال : منه صغر يصغر وصغر يصغر صغراً وصغاراً واسم الفاعل صاغر وصغير وأرض مصغر لم يطل نبتها ، عن ابن السكيت وقابل الأكبرية بالصغار والعذاب الشديد من الأسر والقتل في الدنيا والنار في الآخرة وإصابة ذلك لهم بسبب مكرهم في قوله : ) لِيَمْكُرُواْ فِيهَا ( وقوله : ) وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ( وقدّم الصغار على العذاب لأنهم تمرّدوا عن اتباع الرسول وتكبروا طلباً للعز والكرامة فقوبلوا أوّلاً بالهوان والذل ، ولما كانت الطاعة ينشأ عنها التعظيم ثم الثواب عليها نشأ عن المعصية الإهانة ثم العقاب عليها ومعنى ) عَندَ اللَّهِ ( قال الزجاج : في عرصة قضاء الآخرة . وقال الفراء : في حكم الله كما يقول عند الشافعي أي في حكمه . وقيل : في سابق علمه . وقيل : إن الجزية توضع عليهم لا محالة وأن حكم الله بذلك مثبت عنده بأنه سيكون ذلك فيهم . وقال إسماعيل الضرير : في الكلام تقديم وتأخير أي صغار ) وَعَذَابٌ شَدِيدٌ ( عند الله في الآخرة ، وانتصب عند ) سَيُصِيبُ ( أو بلفظ ) صَغَارٌ ( لأنه مصدر فيعمل أو على أنه صفة لصغار فيتعلق بمحذوف ، وقدّره الزجاج ثابت عند الله و ) مَا ( الظاهر أنها مصدرية أي بكونهم ) يَمْكُرُونَ ). وقيل : موصولة بمعنى الذي .
الأنعام : ( 125 ) فمن يرد الله . . . . .
( فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ( قال مقاتل : نزلت في الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وفي أبي جهل ، والهداية هنا مقابلة الضلالة والشرح كناية عن جعله قابلاً للإسلام متوسعاً لقبول تكاليفه ، ونسبة ذلك إلى صدره مجاز عن ذات الشخص ولذلك قالوا : فلان واسع الصدر إذا كان الشخص محتملاً ما يرد عليه من المشاق والتكاليف ، ونسبة إرادة الهدى والضلال إلى الله إسناد حقيقي لأنه تعالى هو الخالق ذلك والموجد له والمريد له وشرح الصدر تسهيل قبول الإيمان عليه وتحسينه وإعداده لقبوله : وضمير فاعل الهدى عائد على الله أي يشرح الله صدره . وقيل : يعود على الهدى المنسبك من ) أَن يَهْدِيَهُ ( أي يشرح الهدى صدره . قال ابن عطية : ويتركب عليه مذهب القدرية في خلق الأعمال ؛ انتهى . وفي الحديث السؤال عن كيفية هذا الشرح وأنه إذا وقع النور في القلب انشرح الصدر وأمارته الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الفوت والضيق والحرج كناية عن ضد الشرح واستعارة لعدم قبول الإيمان والحرج الشديد الضيق ، والضمير في ) يَجْعَلْ ( عائد على ) اللَّهِ ( ومعنى يجعل يصير لأن الإنسان يخلق أوّلاً على الفطرة وهي كونه مهيأ لما يلقى إليه ولما يجعل فيه فإذا أراد الله إضلاله أضله وجعله لا يقبل الإيمان ويحتمل أن يكون ) يَجْعَلْ ( بمعنى يخلق وينتصب ) ضَيّقاً حَرَجاً ( على الحال أي يخلقه على هذه الهيئة فلا يسمع الإيمان ولا يقبله ولاعتزال أبي عليّ الفارسي ذهب إلى أن يجعل هنا بمعنى يسمى قال كقوله : ) وَجَعَلُواْ الْمَلَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً ( قال : أي سموهم أو بمعنى يحكم له بالضيق كما تقول : هذا يجعل البصرة مصراً أي يحكم لها بحكمها فراراً من نسبة خلق ذلك إلى الله تعالى ، أو تصييره وجوباً على مذهبه الاعتزالي ونحو منه في خروج اللفظ عن ظاهره . قول الزمخشري ) أَن يَهْدِيَهُ ( أن يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف بشرح صدره للإسلام يلطف به حتى يرغب في الإسلام وتسكن إليه نفسه ويحب

الصفحة 219