كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 225 "
انتهى . وقد تعلق قوم بظاهر هذا الاستثناء فزعموا أن الله يخرج من النار كل بر وفاجر ومسلم وكافر وأن النار تخلو وتخرب ، وقد ذكر هذا عن بعض الصحابة ولا يصح ولا يعتبر خلاف هؤلاء ولا يلتفت إليه . ) إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ( قال الزمخشري : لا يفعل شيئاً إلا بموجب الحكمة عليهم بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد ؛ انتهى . وهذا على مذهبه الاعتزالي . وقال ابن عطية : صفتان مناسبتان بهذه الآية لأن تخليد هؤلاء الكفرة في النار صادر عن حكمة ، وقال التبريزي : ) حَكِيمٌ ( في تدبير المبدإ والمعاد ) عَلِيمٌ ( بما يؤول إليه أمر العبادة . وقال إسماعيل الضرير : ) حَكِيمٌ ( حكم عليهم الخلود ) عَلِيمٌ ( بهم وبعقوبتهم . وقال البغوي : ) عَلِيمٌ ( بالذي استثناه وبما في قلوبهم من البر والتقوى . وقال القرطبي : ) حَكِيمٌ ( في عقوبتهم عليم ( بمقدار مجازاتهم .
( ( بمقدار مجازاتهم .
الأنعام : ( 129 ) وكذلك نولي بعض . . . . .
( وَكَذالِكَ نُوَلّى بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( لما ذكر تعالى أنه ولى المؤمنين بمعنى أنه يحفظهم وينصرهم على أن الكافرين بعضهم أولياء بعض في الظلم والخزي . قال قتادة : يجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم ، يريد ما تقدّم من ذكر الجنّ والإنس واستمتاع بعضهم ببعض . وقال قتادة أيضاً : يتبع بعضهم بعضاً في دخول النار أي يجعل بعضهم يلي بعضاً في الدخول . وقال ابن زيد : معناه نسلط ) بَعْضَ الظَّالِمِينَ ( على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم ، وهذا تأويل بعيد وحين قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد الأشدق قال عبد الله بن الزبير : وصعد المنبران فم الذئاب قتل لطيم الشيطان وتلا ) وَكَذالِكَ نُوَلّى بَعْضَ الظَّالِمِينَ ( الآية . وقال ابن عباس : تفسيرها أن الله إذا أراد بقوم شراً ولى عليهم شرارهم أو خيراً ولى عليهم خيارهم ، وفي بعض الكتب المنزلة أفنى أعدائي بأعدائي ثم أفنيهم بأوليائي . وقال إسماعيل الضرير : نترك المشركين إلى بعضهم في النصرة والمعونة والحاجة . وقال الزمخشري : نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضاً كما فعل الشياطين وغواة الإنس ، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا في الدنيا ) بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ( من الكفر والمعاصي ؛ انتهى . وقوله : نخليهم هو على طريقة الاعتزالي .
الأنعام : ( 130 ) يا معشر الجن . . . . .
( َيَامَعْشَرَ الْجِنّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَاذَا ( هذا النداء أيضاً يوم القيامة والاستفهام للتوبيخ والتقريع ، حيث أعذر الله إليهم بإرسال الرسل فلم يقبلوا منهم ، والظاهر أن من الجنّ رسلاً إليهم كما أن من الإنس رسلاً لهم . فقيل : بعث الله رسولاً واحداً من الجنّ إليهم اسمه يوسف . وقيل : رسل الجنّ هم رسل الإنس فهم رسل الله بواسطة إذ هم رسل رسله ، ويؤيده قوله : ) وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ( قاله ابن عباس والضحاك . وروي أن قوماً من الجنّ استمعوا إلى الأنبياء ثم عادوا إلى قومهم فأخبروهم كما جرى لهم مع الرسول ، فيقال لهم رسل الله وإن لم يكونوا رسله حقيقة وعلى هذين التولين يكون الضمير عائداً على ) الْجِنَّ وَالإِنسَ ( وقد تعلق قوم بهذا الظاهر فزعموا أن الله تعالى بعث إلى الجنّ رسلاً منهم ولم يفرقوا بين مكلفين ومكلفين أن يبعث إليهم رسول من جنسهم لأنهم به آنس وآلف . وقال مجاهد والضحاك وابن جريج والجمهور : والرسل من الإنس دون الجن ولكن لما كان النداء لهما والتوبيخ معاً جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوز المعهود في كلام العرب تغليباً للإنس لشرفهم ، وتأوّله الفراء على حذف مضاف أي من أحدكم كقوله : ) نُخْرِجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ( أي من أحدهما وهو الملح وكقوله : ) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ( أي في إحداهن

الصفحة 225