كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 46 "
وآخران كافران إذ ليس من شرط آخر إذا تقدم أن يكون من جنس الأول بعيد وصفه وهو على ما ذكرته هو لسان العرب قال الشاعر : كانوا فريقين يصغون الزجاج على
قعس الكواهل في أشداقها ضخم
وآخرين على الماذيّ فوقهم
من نسج داود أو ما أورثت إرم
التقدير كانوا فريقين فريقاً أو ناساً يصغون الزجاج ثم قال وآخرين ترى المأذى ، فآخرين من جنس قولك فريقاً ، ولم يعبره بوصفه وهو قوله يصغون الزجاج لأن الشاعر قسم من ذكر إلى قسمين متباينين بالوصفين متحدي الجنس ، وهذا الفرق قل من يفهمه فضلاً عمن يعرفه ، وأما القول الثالث الذي حكاه الزمخشري وهو أنه منسوخ ، وحكاه عن مكحول ، فهو قول زيد بن أسلم والنخعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء إلا أن أبا حنيفة خالفهم فقال : تجوز شهادة الكفار بعضهم على بعض لا على المسلمين ، والناسخ قوله : ) مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء ( وقوله : ) وَأَشْهِدُواْ ذَوِى عَدْلٍ مّنْكُمْ ( وزعموا أن آية الدين من آخر ما نزل ، والظاهر أن أو للتخيير وقال به ابن عباس فمن جعل قوله ) مِنْ غَيْرِكُمْ ( أي من عشيرتككان مخيرا بين ان يستشهد ى قاربه أو الأجانب من المسلمين من زعم أن قوله من غيركم أي من الكفار فاختلفوا . فقيل غيركم يعني به أهل الكتاب وروي ذلك عن ابن عباس ، وقيل أهل الكتاب والمشركين وهو ظاهر قوله ) مِنْ غَيْرِكُمْ ( ، وقيل أو للترتيب إذا كان قوله ) مِنْ غَيْرِكُمْ ( يعني به من غير أهل ملتكم فالتقديران لم يوجد من ملتكم .
( إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الاْرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ( هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب ولو جرى على لفظ ) إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ( لكان التركيب إن هو ضرب في الأرض فأصابته مصيبة الموت وإنما جاء الالتفات جمعاً لأن قوله ) أَحَدَكُمُ ( معناه إذا حضر كل واحد منكم الموت ، والمعنى إذا سافرتم في الأرضلمص الحكم ومعايشكم ، وظاهر الآية يقتضي أن استشهاد آخرين من غير المسلمين مشروط بالسفر في الأرض وحضور علامات الموت .
( تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلواةِ ( الخطاب للمؤمنين لا لما دلّ عليه الخطاب في قوله ) إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى الاْرْضِ فَأَصَابَتْكُم ( لأن ضرب في الأرض وأصابه الموت ليس هو الحابس ، ( تَحْبِسُونَهُمَا ( صفة لآخران واعترض بين الموصوف والصفة بقوله ) إِنْ أَنتُمْ إِلَى الْمَوْتِ ( وأفاد الاعتراض أن العدول إلى آخرين من غير الملة أو القرابة ، حسب اختلاف العلماء في ذلك ، إنما يكون مع ضرورة السفر وحلول الموت فيه استغنى عن جواب إن لما تقدم من قوله ) ءاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ( انتهى . وإلى أن ) تَحْبِسُونَهُمَا ( صفة ذهب الحوفي وأبو البقاء وهو ظاهر كلام ابن عطية إذ لم يذكر غير قول أبي علي الذي قدّمناه .
وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : ما موضع ) تَحْبِسُونَهُمَا ). ( قلت ) : هو استئناف كلام كأنه قيل بعد اشتراط العدالة فيهما فكيف إن ارتبنا فقيل : ) تَحْبِسُونَهُمَا ( ، وما قاله الزمخشري من الاستئناف أظهر من الوصف لطول الفصل بالشرط والمعطوف عليه بين الموصوف وصفته . وإنما قال الزمخشري بعد اشتراط العدالة فيهما لأنه اختار أن يكون قوله أو آخران

الصفحة 46