كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 63 "
ب قول . قال السدي وغيره كان هذا القول من الله تعالى حين رفع عيسى إليه وقالت النصارى ما قالت وادعت أن عيسى أمرهم بذلك واختاره الطبري .
وقال ابن عباس وقتادة والجمهور : هذا القول من الله تعالى إنما هو يوم القيامة يقول له على رؤوس الخلائق فيعلم الكفار أن ما كانوا عليه باطل ، فيقع التجوز في استعمال ) إِذْ ( بمعنى إذا والماضي بعده بمعنى المستقبل وفي إيلاء الاستفهام الاسم ، ومجيء الفعل بعده دلالة على صدور الفعل في الوجود لكن وقع الاستفهام عن النسبة أكان هذا الفعل الواقع صادراً عن المخاطب أم ليس بصادر عنه ، بيان ذلك أنك تقول : أضربت زيداً ، فهذا استفهام هل صدر منك ضرب لزيد أم لا ، ولا إشعار فيه بأن ضرب زيد قد وقع . فإذا قلت أنت ضربت زيداً كان الضرب قد وقع بزيد ، لكنك استفهمت عن إسناده للمخاطب ، وهذه مسألة بيانية نص على ذلك أبو الحسن الأخفش . وذكر المفسرون أنه لم يقل أحد من النصارى بإلهية مريم ، فكيف قيل ) إِلاهَيْنِ ( ، وأجابوا بأنهم لما قالوا لم تلد بشراً وإنما ولدت إلهاً ، لزمهم أن يقولوا من حيث البغضية بإلهية من ولدته ، فصاروا بمثابة من قال : انتهى . والظاهر صدور هذا القول في الوجود لا من عيسى ، ولا يلزم من صدور القول وجود الاتخاذ .
( قَالَ سُبْحَانَكَ ( أي تنزيهاً لك . قال ابن عطية : عن أن يقال هذا وينطق به ؛ وقال الزمخشري من أن يكون لك شريك ، والظاهر الأول لقوله بعد ) مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ ( قال أبو روق : لما سمع عيسى هذا المقال ارتعدت مفاصله وانفجرت من أصل كل شعرة عين من دم ، فقال عند ذلك مجيباً لله تعالى : ) سُبْحَانَكَ ( تنزيهاً وتعظيماً لك وبراءة لك من السوء .
( مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ ( هذا نفي يعضده دليل العقل فيمتنع عقلاً ادعاء بشر محدث الإلهية و ) بِحَقّ ( خبر ليس أي ليس مستحقاً وأجازوا في ) لِى ( أن يكون تبييناً وأن يكون صلة صفة لقوله ) يُحِقَّ ( لي تقدم فصار حالاً أي بحق لي ، ويظهر أنه يتعلق بحق لأن الباء زائدة ، وحق بمعنى مستحقّ أي ما ليس مستحقاً ، وأجاز بعضهم أن يكون الكلام قد تم عند قوله ) مَا لَيْسَ لِى ( وجعل ) بِحَقّ ( متعلقاً بعلميته الذي هو جواب الشرط ، ورد ذلك بادعاء التقديم والتأخير فيما ظاهره خلاف ذلك ، ولا يصار إلى التقديم والتأخير إلا لمعنى يقتضي ذلك ، أو بتوقيف ، أو فيما لا يمكن فيه إلا ذلك ؛ انتهى هذا القول ورده ، ويمتنع أن يتعلق بعلميته لأنه لا يتقدم على الشرط شيء من معمولات فعل الشرط ولا من معمولات جوابه ، ووقف نافع وغيره من القراء على قوله ) بِحَقّ ( وروي ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) .
( إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ( قال أبو عبد الله الرازي : هذا مقام خضوع وتواضع ، فقدم ناسخ نفي القول عنه ، ولم يقل ما قلته بل فوّض ذلك إلى علمه المحيط بالكلّ وهذه مبالغة في الأدب وفي إظهار الذلة والمسكنة في حضرة الجلال ، وتفويض الأمر بالكلية إلى الحق

الصفحة 63