كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 74 "
فعل ) الَّذِينَ كَفَرُواْ ( لأن المعنى : أن خلقه ) السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( وغيرها قد تقرر وآياته قد سطعت وإنعامه بذلك قد تبين ، ثم بعد هذا كله قد عدلوا بربهم فهذا كما تقول : يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ، ثم تشتمني أي : بعد وضوح هذا كله ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو ، لم يلزم التوبيخ كلزومه ب ) ثُمَّ ( انتهى .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : فما معنى ثم ( قلت ) : استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته وكذلك ) ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ( استبعاد لأن تمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميهم وباعثهم ؛ انتهى . وهذا الذي ذهب إليه ابن عطية من أن ) ثُمَّ ( للتوبيخ ، والزمخشري من أن ) ثُمَّ ( للاستبعاد ليس بصحيح لأن ) ثُمَّ ( لم توضع لذلك ، وإنما التوبيخ أو الاستبعاد مفهوم من سياق الكلام لا من مدلول ، ثم ولا أعلم أحداً من النحويين ذكر ذلك بل ) ثُمَّ ( هنا للمهلة في الزمان وهي عاطفة جملة اسمية على جملة اسمية ، أخبر تعالى بأن الحمد له ونبه على لعلة المقتضية للحمد من جميع الناس وهي خلق السموات والأرض والظلمات والنور ثم أخبر أن الكافرين به ) يَعْدِلُونَ ( فلا يحمدونه .
وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : علام عطف قوله : ) ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ).
( قلت ) : إما على قوله : ) الْحَمْدُ للَّهِ ( على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق ، لأنه ما خلقه إلا نعمة ) ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ ( فيكفرون نعمه وإما على قوله ) خُلِقَ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ ( على معنى أنه خلق ما خلق ، مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه ؛ انتهى . وهذا الوجه الثاني الذي جوزه لا يجوز ، لأنه إذ ذاك يكون معطوفاً على الصلة والمعطوف على الصلة صلة ، فلو جعلت الجملة من قوله : ) ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ( صلة لم يصح هذا التركيب لأنه ليس فيها رابط يربط الصلة بالموصول ، إلا إن خرج على قولهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري يريد رويت عنه فيكون الظاهر قد وقع موقع المضمر ، فكأنه قيل : ) ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِهِ يَعْدِلُونَ ( وهذا من الندور ، بحيث لا يقاس عليه ولا يجمل كتاب الله عليه مع ترجيح حمله على التركيب الصحيح الفصيح ، ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ ( الظاهر فيه العموم فيندرج فيه عبدة الأصنام وأهل الكتاب ، عبدت النصارى المسيح واليهود عزيراً واتخذوا أحبارهم أرباباً من دون الله والمجوس عبدوا النار والمانوية عبدوا النور ، ومن خصص الذين كفروا بالمانوية كقتادة أو بعبدة الأصنام أو بالمجوس حيث قالوا : الموت من أهرمن والحياة من الله ، أو بأهل الكتاب كابن أبي أبزى فلا يظهر له دليل على التخصيص والباء في ) بِرَبّهِمْ ( يحتمل أن تتعلق ب ) يَعْدِلُونَ ( وتكون الباء بمعنى عن أي : يعدلون عنه إلى غيره مما لا يخلق ولا يقدر ، أو يكون المعنى يعدلون به غيره أي : يسوون به غيره في اتخاذه رباً وإلهاً وفي الخلق والإيجاد وعدل الشيء بالشيء التسوية به ، وفي الآية رد على القدرية في قولهم : الخير من الله والشر من الإنسان فعدلوا به غيره في الخلق والإيجاد .
الأنعام : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
( هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ( ظاهره أنا مخلوقون من طين ، وذكر ذلك المهدوي ومكي والزهراوي عن فرقة فالنطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها ) مِن طِينٍ ( ثم يقلبها الله نطفة . قال ابن عطية : وهذا يترتب على قول من يقول : يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة وذلك مردود عند الأصوليين ؛ انتهى .

الصفحة 74