كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 75 "
وقال النحاس : يجوز أن تكون النطفة خلقها الله ) مِن طِينٍ ( على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الإنسان منها ؛ انتهى . وقد روى أبو نعيم الحافظ عن بريد بن مسعود حديثاً في الخلق آخره : ( ويأخذ التراب الذي يدفن في بقعته ويعجن به نطفته ) ، فذلك قوله تعالى : ) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ( الآية . وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( ما من مولود يولد إلا وقد در عليه من تراب حفرته ) . وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : وعندي فيه وجه آخر وهو أن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث المتولدين من الأغذية ، والأغذية حيوانية والقول في كيفية تولدها ، كالقول في الإنسان أو نباتية فثبت تولد الإنسان من النباتية وهي متولدة ) مِنَ الطّينِ ( فكل إنسان متولد . ) مِنَ الطّينِ ( وهذا الوجه أقرب إلى الصواب ؛ انتهى . وهذا الذي ذكر أنه عنده وجه آخر وهو أقرب إلى الصواب ، هو بسط ما حكاه المفسرون عن فرقة . وقال فيه ابن عطية : هو مردود عند الأصوليين يعني القول : بالتوالد والاستحالات والذي هو مشهور عند المفسرين ، أن المخلوق ) مِنَ الطّينِ ( هنا هو آدم . قال قتادة ومجاهد والسدي وغيرهم : المعنى خلق آدم ) مِن طِينٍ ( والبشر من آدم فلذلك قال : ) خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ( وذكر ابن سعد في الطبقات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( الناس ولد آدم وآدم من تراب ) . وقال بعض شعراء الجاهلية : وإلى عرق الثرى وشجت عروقي
وهذا الموت يسلبني شبابي
وفسره الشراح بأن عرق الثرى هو آدم ، فعلى هذا يكون التأويل على حذف مضاف إما في ) خَلَقَكُمْ ( أي خلق أصلكم ، وإما في ) مِن طِينٍ ( أي من عرق طين وفرعه .
( ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ( ) قَضَى ( إن كانت هنا بمعنى قدر وكتب ، كانت ) ثُمَّ ( هنا للترتيب في الذكر لا في الزمان لأن ذلك سابق على خلقنا ، إذ هي صفة ذات وإن كانت بمعنى أظهر ، كانت للترتيب الزماني علي أصل وضعها ، لأن ذلك متأخر عن خلقنا فهي صفة فعل والظاهر من تنكير الأجلين أنه تعالى أبهم أمرهما . وقال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة : الأول أجل الدنيا من وقت الخلق إلى الموت ، والثاني أجل الآخرة لأن الحياة في الآخرة لا انقضاء لها ، ولا

الصفحة 75