كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 76 "
يعلم كيفية الحال في هذا الأجل إلا الله تعالى ، وروي عن ابن عباس أن الأول هو وفاته بالنوم والثاني بالموت . وقال أيضاً : الأول أجل الدنيا والثاني الآخرة . وقال مجاهد أيضاً : الأول الآخرة . والثاني الدنيا . وقال ابن زيد : الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، والمسمى في هذه الحياة الدنيا . وقال أبو مسلم : الأول أجل الماضين ، والثاني أجل الباقين ، ووصفه بأنه مسمى عنده لأنه تعالى مختص به بخلاف الماضين ، فإنهم لما ماتوا علمت آجالهم . وقيل : الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث ، وهو البرزخ . وقيل : الأول مقدار ما انقضى من عمر كل إنسان ، والثاني مقدار ما بقي . وقيل : الأول أجل الأمم السالفة ، والثاني أجل هذه الأمة . وقيل : الأول ما علمناه أنه لا نبي بعد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، والثاني من الآخرة ، وقيل : الأول ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، والثاني قيام الساعة . وقيل : الأول من أوقات الأهلة وما أشبهها ، والثاني موت الإنسان . وقال ابن عباس ومجاهد أيضاً ) فَقَضَى أَجَلاً ( بانقضاء الدنيا والثاني لابتداء الآخرة . وروي عن ابن عباس أنه قال : لكل أحد أجلان ، فإن كان تقياً وصولاً للرحم زيد له من أجل البعث في أجل العمر ، وإن كان بالعكس نقص من أجل العمر وزيد في أجل البعث . وقال أبو عبد الله الرازي : لكل إنسان أجلان الطبيعي والاخترامي . فالطبيعي : هو الذي لو بقي ذلك المزاج مصوناً عن العوارض الخارجة لانتهت مدة بقائه إلى الأوقات الفلكية . والاخترامي : هو الذي يحصل بسبب الأسباب الخارجية كالحرق والغرق ولدغ الحشرات ، وغيرها من الأمور المنفصلة ، انتهى . وهذا قول المعتزلة وهو نقله عنهم وقال : هذا قول حكماء الإسلام ، انتهى ومعنى ) مُّسمًّى عِندَهُ ( معلوم عنده أو مذكور في اللوح المحفوظ ، وعنده مجاز عن علمه ولا يراد به المكان .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفاً وجب تقديمه فلم جاز تقديمه في قوله : ) وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ).
( قلت ) : لأنه تخصيص بالصفة فقارب المعرفة ، كقوله : ) وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ ( انتهى . وهذا الذي ذكره من مسوغ الابتداء بالنكرة لكونها وصفت لا يتعين هنا أن يكون هو المسوغ ، لأنه يجوز أن يكون المسوغ هو التفصيل لأن من مسوغات الابتداء بالنكرة ، أن يكون الموضع موضع تفصيل نحو قوله : إذا ما بكى من خلفها انحرفت له
بشق وشق عندنا لم يحول
وقد سبق كلامنا على هذا البيت وبينا أنه لا يجوز أن يكون عندنا في موضع الصفة ، بل يتعين أن يكون في موضع الخبر .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : الكلام السائر أن يقال : عندي ثوب جيد ولي عبد كيس

الصفحة 76