كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 78 "
ِ إِلَاهٌ ( أي : وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها ، أو هو الذي يقال له : الله فيها لا يشرك في هذا الاسم ؛ انتهى ، فانظر تقاديره كلها كيف قدر العامل واحداً من المعاني لا جميعها ، وقالت فرقة ) هُوَ ( على تقدير صفة حذفت وهي مرادة في المعنى ، كأنه قيل : هو الله المعبود ) فِي السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ ( وقدرها بعضهم وهو الله المدبر ) فِي السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ ( ، وقالت فرقة : ) وَهُوَ اللَّهُ ( تم الكلام هنا . ثم استأنف ما بعده وتعلق المجرور ب ) يَعْلَمْ ( وقالت فرقة : ) وَهُوَ اللَّهُ ( تام و ) فِي السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ ( متعلق بمفعول ) يَعْلَمْ ( وهو ) سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ( والتقدير يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ، وهذا يضعف لأن فيه تقديم مفعول المصدر الموصول عليه والعجب من النحاس حيث قال : هذا من أحسن ما قيل فيه ، وقالت فرقة : هو ضمير الأمر والله مرفوع على الابتداء وخبره ) فِي السَّمَاوَاتِ ( والجملة خبر عن ضمير الأمر وتم الكلام . ثم استأنف فقال : ) وَفِى الاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ( أي : ويعلم في الأرض .
وقال ابن جرير نحواً من هذا إلا أن ) هُوَ ( عائد على ما عادت عليه الضمائر قبل وليس ضمير الأمر . وقيل : يتعلق ) فِي السَّمَاوَاتِ ( بقوله : ) تَكْسِبُونَ ( هذا خطأ ، لأن ) مَا ( موصولة ب ) تَكْسِبُونَ ( وسواء كانت حرفاً مصدرياً أم اسماً بمعنى الذي ، فإنه لا يجوز تقديم معمول الصلة على الموصول . وقيل ) فِي السَّمَاوَاتِ ( حال من المصدر الذي هو ) سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ( تقدم على ذي الحال وعلى العامل . وقال الزمخشري : يجوز أن يكون ) اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ ( خبراً بعد خبر على معنى أنه الله وأنه في السموات والأرض بمعنى أنه عالم بما فيهما ، لا يخفى عليه شيء منه كأن ذاته فيها وهو ضعيف ، لأن المجرور بفي لا يدل على وصف خاص إنما يدل على كون مطلق وعلى هذه الأقوال ينبني إعراب هذه الآية ، وإنما ذهب أهل العلم إلى هذه التأويلات والخروج عن ظاهر ) فِي السَّمَاوَاتِ وَفِى الاْرْضِ ( لما قام عليه دليل العقل من استحالة حلول الله تعالى في الأماكن ومماسة الإجرام ومحاذاته لها وتحيزه في جهة ، قال معناه وبعض لفظه ابن عطية وفي قوله : ) يَعْلَمُ سِرَّكُمْ ( إلى آخره خبر في ضمنه تحذير وزجر . قال أبو عبد الله الرازي : المراد بالسرّ صفات القلوب وهو الدواعي والصوارف وبالجهر أعمال الجوارح وقدم السرّ لأن ذكر المؤثر في الفعل هو مجموع القدرة مع الداعي ، فالداعية التي هي من باب السرّ هي المؤثرة في أعمال الجوارح المسماة بالجهر ، وقد ثبت أن العلم بالعلة علة العلم بالمعلول والعلة متقدّمة على المعلول والمقدم بالذات يجب تقديمه بحسب اللفظ ، انتهى .
وقال التبريزي : معناه يعلم ما تخفونه من أعمالكم ونياتكم وما تظهرون من أعمالكم وما تكسبون ، عام لجميع الاعتقادات والأقوال والأفعال وكسب كل إنسان عمله المفضي به إلى اجتلاب نفع أو دفع ضرّ ولهذا لا يوصف به الله تعالى . وقال أبو عبد الله الرازي : وفي أول كلامه شيء من معنى كلام الزمخشري يجب حمل قوله : ) مَا تَكْسِبُونَ ( على ما يستحقه الإنسان على فعله من ثواب وعقاب ، فهو محمول على المكتسب كما يقال هذا المال كسب فلان أي مكتسبه ، ولا يجوز حمله على نفس الكسب وإلا لزم عطف الشيء على نفسه وفي هذه الآية رد على المعطلة والثنوية والحشوية والفلاسفة ؛ انتهى .
وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف موقع قوله ) يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ( ( قلت ) : إن أراد المتوحد بالإلهية كان تقريراً له ، لأن الذي استوى في علمه السرّ والعلانية ، هو الله وحده وكذلك إذا جعلت ) فِي السَّمَاوَاتِ ( خبراً بعد خبر وإلا فهو كلام مبتدأ أو خبر ثالث ، انتهى ، وهذا على مذهب من يجيز أن يكون للمبتدأ أخباراً متعددة .
الأنعام : ( 4 ) وما تأتيهم من . . . . .
( وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ( ) مِنْ ( الأولى زائدة لاستغراق الجنس ، ومعنى الزيادة فيها أن ما

الصفحة 78