كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 8 "
التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم ، انتهى .
والجملة من قوله : ) وَإِذَا سَمِعُواْ ( تحتمل الاستئناف ، وتحتمل أن تكون معطوفة على خبر إنهم . وقرىء : ) تَرَى أَعْيُنَهُمْ ( على البناء لما لم يسمّ فاعله ) يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ( المراد بآمنا أنشأنا الإيمان الخاص بهذه الأمة الإسلامية . والشاهدون : قال ابن عباس وابن جريج وغيرهما : هم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وقالوا ذلك هم شهداء على سائر الأمم ، كما قال تعالى : ) لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ( قال الزمخشري : وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك ، انتهى . وقال الطبري : معناه ولو قيل معناه مع الشاهدين بتوحيدك من جميع العالم من تقدم ومن تأخر لكان صواباً .
وقيل : مع الذين يشهدون بالحق .
وقال الزجاج المراد بالشاهدين الأنبياء ، والمؤمنون ، والكتابة في اللوح المحفوظ . وقيل : معناه أثبتنا من قولهم كتب فلان في الجند أي ثبت ، و ) يَقُولُونَ ( في موضع نصب على الحال ، قاله ابن عطية وأبو البقاء ، ولم يبينا ذا الحال ولا العامل فيها ، ولا جائز أن يكون حالاً من الضمير في أعينهم لأنه مجرور بالإضافة لا موضع له من رفع ولا نصب إلا على مذهب من ينزل الخبر منزلة المضاف إليه ، وهو قول خطأ ، وقد بينا ذلك في كتاب منهج السالك من تأليفنا ، ولا جائز أن يكون حالاً من ضمير الفاعل في ) عَرَفُواْ ( لأنها تكون قيداً في العرفان وهم قد عرفوا الحق في هذه الحال وفي غيرها ، فالأولى أن تكون مستأنفة ، أخبر تعالى عنهم بأنهم التبسوا بهذا القول ، والمعنى أنهم عرفوا الحق بقلوبهم ونطقت به وأقرت ألسنتهم .
المائدة : ( 84 ) وما لنا لا . . . . .
( وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقّ ( هذا إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان منهم مع قيام موجبة وهو عرفان الحق . قال الزمخشري والتبريزي : وموجب الإيمان هو الطمع في دخولهم مع الصالحين ، والظاهر أن قولهم ذلك هو الظاهر لأنفسهم على سبيل المكالمة معها لدفع الوساوس والهواجش ، إذ فراق طريقة وسلوك أخرى لم ينشأ عليها مما يصعب ويشق ، أو قول بعض من آمن لبعض على سبيل التثبت أيضاً ، أو قولهم ذلك على سبيل المحاجة لمن عارضهم من الكفار ، لما رجعوا إليهم ولا موهم على الإيمان أي ، وما يصدنا عن الإيمان بالله وحده . وقد لاح لنا الصواب وظهر الحق النير .
وروي عن ابن عباس أن اليهود أنكروا عليهم ولاموهم فأجابوهم بذلك و ) لاَ نُؤْمِنُ ( في موضع الحال ، وهي المقصودة وفي ذكرها فائدة الكلام ، وذلك كما تقول : جاء زيد راكباً جواباً لمن قال : هل جاء زيد ماشياً أو راكباً ، والعامل فيها هو متعلق به الجار والمجرور ، رأي : أي شيء يستقرّ لنا ويجعل في انتفاء الإيمان عنا ، وفي مصحف عبد الله وما لنا لا نؤمن بالله وما أنزل علينا ربنا ونطمع وينبغي أن يحمل ذلك على تفسير قوله تعالى ) وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقّ ( لمخالفته ما أجمع عليه المسلمون من سواد المصحف .
( وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ( الأحسن والأسهل أن يكون استئناف إخبار منهم بأنهم طامعون في إنعام الله عليهم بدخولهم مع الصالحين ، قالوا وعاطفة جملة على جملة ، و ) مَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ ( لا عاطفة على نؤمن أو على لا نؤمن ولا على أن تكون الواو واو الحال ولم يذكر ابن عطية غير هذا الوجه .
وقال الزمخشري : والواو في ) وَنَطْمَعُ ( واو الحال ، والعامل في الحال معنى الفعل العامل في ) لاَ نُؤْمِنُ ( ن ، ولكن مفيداً بالحال الأولى لأنك لو أزلتها وقلت : وما لنا نطمع لم يكن كلاماً ، انتهى

الصفحة 8