كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 86 "
ذلك لله تعالى فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم ، وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك . وقيل : في الكلام حذف تقديره فإذا لم يجيبوا ) قُل لِلَّهِ ( وقال قوم : المعنى أنه أمر بالسؤال فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم ) قُل لِلَّهِ ( ولله خبر مبتدأ محذوف التقدير قل ذلك أو هو لله . ) كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ( لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد ، ودل ذلك على نفاذ قدرته أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق وظاهر كتب أنه بمعنى سطر وخط ، وقال به قوم هنا وأنه أريد حقيقة الكتب والمعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ . وقيل : ) كِتَابَ ( هنا بمعنى وعد بها فضلاً وكرماً . وقيل : بمعنى أخبر . وقيل : أوجب إيجاب فضل وكرم لا إيجاب لزوم . وقيل : قضاها وأنفذها . وقال الزمخشري : أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض ، انتهى . و ) الرَّحْمَةِ ( هنا الظاهر أنها عامّة فتعم المحسن والمسيء في الدنيا ، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي فتعم كما ذكرنا . وقيل : الألف واللام للعهد ، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها الله تعالى من المائة ) الرَّحْمَةِ ( التي خلقها وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة . وقال الزجاج : ) الرَّحْمَةِ ( إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا ، فلم يعاجلهم على كفرهم . وقيل : ) الرَّحْمَةِ ( لمن آمن وصدق الرسل . وفي صحيح مسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه ، فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي .
( لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ لّلْعَالَمِينَ فِيهِ ( لما ذكر أنه تعالى رحم عباده ذكر الحشر وأن فيه المجازاة على الخير والشر ، وهذه الجملة مقسم عليها ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرنا . وحكى المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا : إنها تفسير للرحمة تقديره : أن يجمعكم ، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من ) الرَّحْمَةِ ( وهو مثل قوله ) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ ( المعنى أن يسجنوه ، وردّ ذلك ابن عطية بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب قال : وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم ، انتهى . وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد ، ألا ترى دخولها في الشرط وليس واحداً مما ذكر نحو قوله تعالى : ) وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ ( وكذلك قوله : وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه بل له شروط ذكرت في علم النحو ولهم أن يقولوا صورة الجملة صورة المقسم عليه ، فلذلك لحقت النون وإن كان المعنى على خلاف القسم ويبطل ما ذكروه ، إن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب ، فإذا قلت والله لأضربنّ زيداً ، فلأضربنّ لا موضع له من الإعراب فإذا قلت زيد والله لأضربنه ، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع والجمع هنا قيل حقيقة أي ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ( في القبور إلى يوم القيامة ، والظاهر أن ) إِلَى ( للغاية والمعنى ليحشرنكم منتهين ) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ( وقيل : المعنى ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ( في الدنيا يخلقكم قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة وقد تكون ) إِلَى ( هنا بمعنى اللام أي ليوم القيامة ، كقوله تعالى : ) إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ( وأبعد من زعم أن ) إِلَى ( بمعنى في أي ) فِى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ ( وأبعد منه من ذهب إلى أنها صلة والتقدير ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ( يوم القيامة ، والظاهر أن الضمير في ) فِيهِ ( عائد إلى يوم القيامة وفيه ردّ على من ارتاب في الحشر

الصفحة 86