كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 87 "
ويحتمل أن يعود على الجمع ، وهو المصدر المفهوم من قولهم ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ).
) الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( اختلف في إعراب ) الَّذِينَ ( فقال الأخفش : هو بدل من ضمير الخطاب في ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ( وردّه المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب لا يجوز ، كما لا يجوز مررت بك زيد وردّ رد المبرد ابن عطية . فقال : ما في الآية مخالف للمثال لأن الفائدة في البدل مترتبة من الثاني ، وإذا قلت مررت بك زيد فلا فائدة في الثاني ، وقوله : هّ ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ( يصلح لمخاطبة الناس كافة فيفيدنا إبدال ) الَّذِينَ ( من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب وخصوا على جهة الوعيد ، ويجيء هذا بدل البعض من الكل ، انتهى . وما ذكره ابن عطية في هذا الردّ ليس بجيد ، لأنه إذا جعلنا ) لَيَجْمَعَنَّكُمْ ( يصلح لمخاطبة الناس كافة كان ) الَّذِينَ ( بدل بعض من كل ، ويحتاج إذ ذاك إلى ضمير ويقدر ) الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ( منهم وقوله فيفيدنا إبدال ) الَّذِينَ ( من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب ، وخصوا على جهة الوعيد وهذا يقتضي أن يكون بدل كل من كل فتناقض أول كلامه مع آخره لأنه من حيث الصلاحية ، يكون بدل بعض من كل ومن حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كل من كل ، والمبدل منه متكلم أو مخاطب في جوازه خلاف مذهب الكوفيين والأخفش ، أنه يجوز ومذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز ، وهذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التوكيد فإنه إذ ذاك يجوز ، وهذا كله مقرر في علم النحو . وقال الزجاج : ) الَّذِينَ ( مرفوع على الابتداء والخبر قوله : ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( ودخلت الفاء لما تضمن المبتدأ من معنى الشرط كأنه قيل : من يخسر نفسه فهو لا يؤمن ، ومن ذهب إلى البدل جعل الفاء عاطفة جملة على جملة وأجاز الزمخشري أن يكون ) الَّذِينَ ( منصوباً على الذمّ أي : أريد ) الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ( ؛ انتهى وتقديره بأريد ليس بجيد إنما يقدر النحاة المنصوب على الذم بأذم وأبعد من ذهب إلى أن موضع ) الَّذِينَ ( جر نعتاً للمكذبين أو بدلاً منهم .
وقال الزمخشري ( فإن قلت ) : كيف جعل عدم إيمانهم مسبباً عن خسرهم والأمر بالعكس ؟ ( قلت ) : معناه ) الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم ( في علم الله لاختيارهم الكفر ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( ؛ انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال بقوله : لاختيارهم الكفر .
الأنعام : ( 13 ) وله ما سكن . . . . .
( وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( لما ذكر تعالى أنه له ملك ما حوى المكان من السموات والأرض ، ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار وإن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر ، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية وقدم المكان لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان وله قال الزمخشري وغيره ، هو معطوف على قوله ) لِلَّهِ ( والظاهر أنه استئناف إخبار وليس مندرجاً تحت قوله : قل ، و ) سَكَنَ ( هنا قال السدّي وغيره : من السكنى أي ما ثبت وتقرر ، ولم يذكر الزمخشري غيره . قال : وتعديه ب ) فِى ( كما في قوله : ) وَسَكَنتُمْ فِى مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ( وقالت فرقة : هو من السكون المقابل للحركة واختلف هؤلاء . فقيل : ثم معطوف محذوف أي وما تحرّك ، وحذف كما حذف في قوله : تقيكم الحر والبرد . وقيل : لا محذوف هنا واقتصر على الساكن لأن كل متحرك قد يسكن وليس كل ما يسكن يتحرك . وقيل : لأن السكون أكثر وجوداً من الحركة ، وقال في قوله : ) وَالنَّهَارَ ( لأن من المخلوقات ما يسكن

الصفحة 87