كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 9 "
وماذكره من أن الحالين العامل فيهما واحد وهو ما في اللام من معنى الفعل ، كأنه قيل : أي شيء حصل لنا غير مؤمنين طامعين ليس بجيد ، لأن الأصح أنه لا يجوز أن يقضي العامل حالين لذي حال واحد لا بحرف عطف إلا أفعل التفضيل ، فالأصح أنه يجوز فيه ذلك ، وذوا الحال هنا واحد وهو الضمير المجرور بلام لنا ، ولأنه أيضاً تكون الواو دخلت على المضارع ، ولا تدخل واو الحال على المضارع إلا بتأويل ، فيحتاج أن يقدر : ونحن نطمع .
وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون ) وَنَطْمَعُ ( حالاً من ) لاَ نُؤْمِنُ ( على أنهم أنكروا على أنفسهم لأنهم لا يوحدون الله ، ويطمعون مع ذلك أن يصحبوا الصالحين ، انتهى .
وهذا ليس بجيد لأن فيه دخول واو الحال على المضارع ويحتاج إلى تأويل .
وقال الزمخشري : وأن يكون معطوفاً على ) لاَ نُؤْمِنُ ( على معنى وما لنا لا نجمع بين التثليث وبين الطمع في صحبة الصالحين أو على معنى : وما لنا لا نجمع بينهما بالدخول في الإسلام لأن الكافر ما ينبغي له أن يطمع في صحبة الصالحين ، انتهى .
ويظهر لي وجه غير ما ذكروه وهو أن يكون معطوفاً على نؤمن على أنه منفي كنفي نؤمن ، التقدير : وما لنا لا نؤمن ولا نطمع فيكون في ذلك إنكار لانتفاء إيمانهم وانتفاء طمعهم مع قدرتهم على تحصيل الشيئين : الإيمان والطمع في الدخول مع الصالحين و ) مَّعَ ( على بابها من المعية ، وقيل : بمعنى في والصالحون أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، قاله ابن عباس أو الرسول وأصحابه ، قاله ابن زيد ، أو المهاجرون الأولون ، قاله مقاتل . وقيل : التقدير أن يدخلنا الجنة
المائدة : ( 85 ) فأثابهم الله بما . . . . .
( فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذالِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ( ظاهره أن الإثابة بما ذكر مترتبة على مجرد القول ، ولا بد أن يقترن بالقول الإعتقاد ويبين أنه مقترن به أنه قال : ) مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ ( فوصفهم بالمعرفة ، فدل على اقتران القول بالعلم ، وقال : ) ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ( فإما أن يكون من وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على هذا الوصف بهم ، وأنهم أثيبوا لقيام هذا الوصف بهم ، وهو رتبة الإحسان ، وهي التي فسرها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بقوله : ) أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ولا إخلاص ولا علم أرفع من هذه الرتبة ، وإما أن يكون أريد به العموم فيكونون قد اندرجوا في المحسنين على أن هذه الإثابة لم تترتب على مجرد القول اللفظي ، ولذلك فسره الزمخشري بقوله بما قالوا بما تكلموا به من اعتقاد وإخلاص من قولك : هذا قول فلان أي اعتقاده وما يذهب إليه انتهى .
وفسروا هذا القول بقولهم : ) وما لنا لا نؤمن بالله ( والذي يظهر أنه عنى به قولهم ) يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ( لأنه هو الصريح في إيمانهم ، وأما قوله : ) لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ ( فليس فيه تصريح بإيمانهم ، وإنما هو إنكار على انتفاء الإيمان منهم مع قيام موجبه ، فلا تترتب عليه الإثابة .
وقرأ الحسن ) فَأَتَاهُمُ ( من الإيتاء بمعنى الإعطاء لا من الإثابة ، والإثابة أبلغ من الإعطاء ، لأنه يلزم أن يكون عن عمل بخلاف الإعطاء ، فإنه لا يلزم أن يكون عن عمل ولذلك جاء أخيراً ) وَذالِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ( نبه على أن تلك الإثابة هي جزاء ، والجزاء لا يكون إلا عن عمل
المائدة : ( 86 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ( اندرج في ) الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ ( اليهود والنصارى وغيرهم لما ذكر ما للمؤمن ذكر ما أعد للكافر .
المائدة : ( 87 ) يا أيها الذين . . . . .
( ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ (

الصفحة 9