كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 92 "
مبني لإضافته إلى إذ فهو في موضع رفع بيصرف والتنوين في ) يَوْمَئِذٍ ( تنوين عوض من جملة محذوفة يتضمنها الكلام السابق التقدير يوم ، إذ يكونن الجزاء إذ لم يتقدّم جملة مصرّح بها يكون التنوين عوضاً عنها ، وتكلم المعربون في الترجيح بين القراءتين على عادتهم فاختار أبو عبيد وأبو حاتم وأشار أبو عليّ إلى تحسينه قراءة ) يُصْرَفْ ( مبنياً للفاعل لتناسب ) فَقَدْ رَحِمَهُ ( ولم يأت فقد رحم ويؤيده قراءة عبد الله وأبي ) مَّن يُصْرَفْ ( الله ورجح الطبري قراءة ) يُصْرَفْ ( مبنياً للمفعول قال : لأنها أقل إضماراً . قال ابن عطية : وأما مكي بن أبي طالب فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة . قال ابن عطية : وهذا توجيه لفظي يشير إلى الترجيح تعلقه خفيف ، وأما المعنى فالقراءتان واحد ؛ انتهى . وقد تقدّم لنا غير مرّة إنا لا نرجح بين القراءتين المتواترتين . وحكى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت أن أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً كان لا يرى الترجيح بين القراءات السبع . وقال : قال ثعلب من كلام نفسه إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السبعة ، لم أفضل إعراباً على إعراب في القرآن فإذا خرجت إلى الكلام كلام الناس فضلت الأقوى ونعم السلف لنا ، أحمد بن يحيى كان عالماً بالنحو واللغة متديناً ثقة .
( وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ( الإشارة إلى ب ) ذالِكَ ( المصدر المفهوم ) مَّن يُصْرَفْ ( أي وذلك الصرف هو الظفر والنجاة من الهلكة و ) الْمُبِينُ ( البين في نفسه أو المبين غيره .
الأنعام : ( 17 ) وإن يمسسك الله . . . . .
( وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدُيرٌ ( أي إن يصبك وينلك بضرّ وحقيقة المس تلاقي جسمين ، ويظهر أن الباء في ) بِضُرّ ( وفي ) بِخَيْرٍ ( للمتعدية وإن كان الفعل متعدياً كأنه قيل : ) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ ( لضر فقد مسك ، والتعدية بالباء في الفعل المتعدّي قليلة ومنها قوله تعالى : ) وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ ( وقول العرب : صككت أحد الحجرين بالآخر والضر بالصم سوء الحال في الجسم وغيره ، وبالفتح ضد النفع وسر السدّي الضر هنا بالسقم والخبر بالعافية . وقيل : الضر الفقر والخير الغنى والأحسن العموم في الضر من المرض والفقر وغير ذلك ، وفي الخير من الغنى والصحة وغير ذلك ، وفي حديث ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( فقد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ) . أخرجه الترمذي . والذي يقابل الخير هو الشر وناب عنه هنا الضر وعدل عن الشر ، لأن الشر أعم من الضر فأتي بلفظ الضر الذي هو أخص وبلفظ الخير الذي هو عام مقابل لعام تغليباً لجهة الرحمة . قال ابن عطية : ناب الضرّ هنا مناب الشر وإن كان الشر أعم منه ، فقابل الخير وهذا من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والضعة فإن باب التكلف في ترصيع الكلام أن يكون الشيء مقترناً بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مضاهاة ، فمن ذلك ألا تجوع فيها ولا تعرّى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحّي فجاء بالجوع مع الغريّ وبابه أن يكون مع الظمأ ومنه قول امرىء القيس : كأني لم أركب جواد اللذة
ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال ولم أسبا الزق الروى ولم أقللخيلي كرى كرة بعد إجفال

الصفحة 92