كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 97 "
ذكر أشياء ثم قال أهل الكتاب ) يَعْرِفُونَهُ ( أي يعرفون ما قلنا وما قصصنا . وقيل : يعود على كتابهم أي : يعرفون كتابهم وفيه ذكر نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) . وقيل : يعود على الدين والرسول فالمعنى يعرفون الإسلام أنه دين الله وأن محمد رسول الله و ) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( هنا لفظه علم ويراد به الخاص ، فإن هذا لا يعرفه ولا يقربه إلا من آمن منهم أو من أنصف و ) الْكِتَابِ ( التوراة والإنجيل ووحد رداً إلى الجنس . وقيل : ) الْكِتَابِ ( هنا القرآن والضمير في ) يَعْرِفُونَهُ ( عائد عليه ذكره الماوردي . وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : إن كان المكتوب في التوراة والإنجيل خروج نبي في آخر الزمان فقط ، فلا يتعين أن يكون هو محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) ) أو معيناً زمانه ومكانه ونسبه وحليته وشكله ، فيكونون إذ ذاك عالمين به بالضرورة ولا يجوز الكذب على الجمع العظيم ولأنا نعلم بالضرورة أن كتابهم لم يشتمل على هذه التفاصيل التامة وعلى هذين التقديرين ، فكيف يصح أن يقال : ) يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ( ، وأجاب بأنهم كانوا أهلاً للنظر والاستدلال وكانوا شاهدوا ظهور المعجزات على يد الرسول فعرفوا بالمعجزات كونه رسولاً من عند الله ، فالمقصود تشبيه معرفته بمعرفة أبنائهم بهذا القدر الذي ذكرناه ؛ انتهى . ولا يلزم ذلك التقسيم الذي ذكره لأنه لم يقل يعرفونه بالتوراة والإنجيل إنما ذكر ) يَعْرِفُونَهُ ( فجاز أن تكون هذه المعرفة مسندة إلى التوراة والإنجيل من أخبار أنبيائهم ونصوصهم ، فالتفاصيل عندهم من ذلك لا من التوراة والإنجيل فيكون معرفتهم إياه مفصلة واضحة بالأخبار لا بالنظر في المعجزات ) كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ ( وأيضاً فلا نسلم له حصر التقسيم فيما ذكره لأنه يحتمل قسماً آخر وهو أن يكون التوراة والإنجيل يدلان على خروج نبي في آخر الزمان ، وعلى بعض أوصافه لا على جميع الأوصاف التي ذكرت من تعيين زمان ومكان وننسب وحلية وشكل ، ويدل على هذا القسم حديث عمر مع عبد الله بن سلام وقوله له : إن الله أنزل على نبيه بمكة إنكم تعرفونه كما تعرفون أبناءكم فكيف هذه المعرفة ؟ فقال عبد الله بن سلام : نعم أعرفه بالصفة التي وصفه الله بها في التوراة ؟ فلا أشك فيه وأما ابني فلا أدري ما أحدثت أمه ، ومما يدل أيضاً على أن معرفتهم إياه لا يتعين أن يكون مستندها التوراة والإنجيل فقط ، أسئلة عبد الله بن سلام حين اجتمع أول اجتماعه برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ما أول ما يأكل أهل الجنة ؟ فحين أخبره بجواب تلك الأسئلة أسلم للوقت وعرف أنه الرسول الذي نبه عليه في التوراة ، وحديث زيد بن سعنة حين ذكر أنه عرف جميع أوصافه ( صلى الله عليه وسلم ) ) غير أنه لم يعرف أن حلمه يسبق غضبه فجرب ذلك منه ، فوجد هذه الصفة فأسلم وأعرب ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( مبتدأ والخبر ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( و ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( على هذا أعم من أهل الكتاب الجاحدين ومن المشركين ، والخسران الغبن وروي أن لكل عبد منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار ، فالمؤمنون ينزلون منازل أهل الكفر في الجنة والكافرون ينزلون منازل أهل الجنة في النار ، فالخسارة والربح هنا وجوزوا أن يكون ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( نعتاً لقوله : ) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( و ) فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( جملة معطوفة على جملة فيكون مساق ) الَّذِينَ ءاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ( مساق الذم لا مقام الاستشهاد بهم على كفار قريش وغيرهم من العرب ، قالوا : لأنه لا يصح أن يستشهد بهم ويذموا في آية واحدة . وقال ابن عطية : يصح ذلك لاختلاف ما استشهد فيه بهم وما ذموا فيه وأن الذم والاستشهاد من جهة واحدة ؛ انتهى . ويكون ) الَّذِينَ خَسِرُواْ ( إذ ذاك ليس عاماً إذ التقدير الذين خسروا أنفسهم منهم أي من أهل الكتاب .
الأنعام : ( 21 ) ومن أظلم ممن . . . . .
( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِئَايَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( تقدم الكلام على ) وَمَنْ أَظْلَمُ ( والافتراء الاختلاف ، والمعنى لا أحد أظلم ممن كذب على الله أو كذب بآيات الله . قال الزمخشري : جمعوا بين أمرين متناقضين فكذبوا على الله بما لا حجة عليه ، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح حيث قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ، وقالوا : والله أمرنا بها ، وقالوا : الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ونسبوا إليه تحريم السوائب والبحائر وكذبوا

الصفحة 97