كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 4)

" صفحة رقم 99 "
به كما تقول : فتنت بزيد فعلى هذا يكون المعنى ، ثم لم يكن حبهم للأصنام وإعجابهم بها واتباعهم لها لما سئلوا عنها ووقفوا على عجزها إلا التبرؤ منها والإنكار لها ، وفي هذا توبيخ لهم كما تقول لرجل كان يدّعي مودّة آخر ثم انحرف عنه وعاداه يا فلان لم تكن مودّتك لفلان إلا أن عاديته وباينته والمعنى على ) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ( بمعنى مودّتهم وإعجابهم بالأصنام إلا البراءة منهم باليمين المؤكدة لبراءتهم ، وتكون الفتنة واقعة في الدنيا وشرحت أيضاً بالاختبار والمعنى : ثم لم يكن اختبارنا إياهم إذ السؤال عن الشركاء وتوقيفهم اختبار لإنكارهم الإشراك وتكون الفتنة هنا واقعة في القيامة ، أي : ثم لم يكن جواب اختبار نالهم بالسؤال عن شركائهم إلا إنكار التشريك ؛ انتهى ، ملخصاً من كلام ابن عطية مع بعض زيادة . وقال الزمخشري : ) فِتْنَتُهُمْ ( كفرهم والمعنى ثم لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه وافتخروا به ، وقالوا : دين آبائنا إلا جحوده والتبرؤ منه والحلف على الانتفاء من التدين به ، ويجوز أن يراد ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا : فسمى فتنة لأنه كذب ؛ انتهى . والشرح الأول من شرح ابن عطية معناه للزجاج والأول من تفسير الزمخشري لفظه للحسن ، ومعناه لابن عباس والثاني لمحمد بن كعب وغيره . قال : التقدير ثم لم يكن جوابهم ) إِلاَّ أَن قَالُواْ ( وسمي هذا القول فتنة لكونه افتراءً وكذباً . وقال الضحاك : الفتنة هنا الإنكار أي ثم لم يكن إنكارهم . وقال قتادة : عذرهم . وقال أبو العالية : قولهم . وقال عطاء وأبو عبيدة : بينهم وزاد أبو عبيدة التي ألزمتهم الحجة وزادتهم لائمة . وقيل : حجتهم ، والظاهر أن الضمير عائد على المشركين وأنه عام فيمن أشرك . وقال الحسن : هذا خاص بالمنافقين جروا على عادتهم في الدنيا ، وقيل : هم قوم كانوا مشركين ولم يعلموا أنهم مشركون فيحلفون على اعتقادهم في الدنيا . وقرأ الجمهور ) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ( وحمزة والكسائي بالياء وأبي وابن مسعود والأعمش وما كان فتنتهم ، وطلحة وابن مطرف ثم ما كان والابنان وحفص ) فِتْنَتُهُمْ ( بالرفع وفرقة ثم لم يكن بالياء ، و ) فِتْنَتُهُمْ ( بالرفع وإعراب هذه القراءات واضح والجاري منها على الأشهر قراءة ثم لم يكن ) فِتْنَتُهُمْ ( بالياء بالنصب ، لأن أن مع ما بعدها أجريت في التعريف مجرى المضمر وإذا اجتمع الأعرف وما دونه في التعريف فذكروا إن الأشهر جعل الأعرف هو الاسم وما دونه هو الخبر ، ولذلك أجمعت السبعة على ذلك في قوله تعالى : ) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ( ) وَمَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ( ومن قرأ بالياء ورفع الفتنة فذكر الفعل لكون تأنيث الفتنة مجازياً أو لوقوعها من حيث المعنى على مذكر ، والفتنة اسم يكن والخبر ) إِلاَّ أَن قَالُواْ ( جعل غير الأعرف الاسم والأعرف الخبر ومن قرأ ) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ( بالتاء ورفع الفتنة فأنث لتأنيث الفتنة والإعراب كإعراب ما تقدم قبله ، ومن قرأ ) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ ( بالتاء ) فِتْنَتُهُمْ ( بالنصب فالأحسن أن يقدر ) إِلاَّ أَن قَالُواْ ( مؤنثاً أي ) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ( إلا مقالتهم . وقيل : ساغ ذلك من حيث كان الفتنة في المعنى . قال أبو علي : وهذا كقوله تعالى : ) فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ( فأنث الأمثال لما كانت الحسنات في المعنى . وقال الزمخشري : وقرىء ) تَكُنْ ( بالتاء و ) فِتْنَتُهُمْ ( بالنصب وإنما أتت ) أَن قَالُواْ ( لوقوع الخبر مؤنثاً كقوله : من كانت أمك ؛ انتهى . وتقدم لنا أن الأولى أن يقدر ) أَن قَالُواْ ( بمؤنث أي إلا مقالتهم . وكذا قدره الزجاج بمؤنث

الصفحة 99