كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

واختلاف الأئمة في ذلك مستوفًى عند تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [الآية: 15]، وعند قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [الآية؛ 25]، وقدم الزانية؛ لأن الزنا في الأغلب يكون بتعرضها للرجل، وعرض نفسها عليه.
{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} قرأ قنبل عن ابن كثير: (رَأَفَةٌ) بفتح الهمزة، واختلف عن البزي، وقرأ الباقون: بإسكانها (¬1)، وأبو جعفر، وأبو عمرو، وورش: يبدلون الهمز بالألف على أصلهم، وأبو عمرو يدغم التاء في الجيم من قوله: (مِئَة جَّلْدَةٍ) (¬2)، والرأفة: أرق الرحمة؛ أي: لا تخففوا جلدهما رأفة بهما، ولكن تصلَّبوا {فِي دِينِ اللَّهِ} في حكمه، وأوجعوهما ضربًا، وأقيموا حدوده كما أمركم.
{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه قال: "والله لو سرقَتْ فاطمةُ بنتُ محمدٍ، لقطعتُ يدها" (¬3)، فتجب إقامة الحد على من لزمه بالاتفاق، ويُضرب الرجل قائمًا عند الثلاثة، وعند مالك: جالسًا، وأما المرأة، فتضرب جالسة باتفاقهم، وسوط الحد عند الشافعي ما بين قضيب وعصا رطب ويابس، وعند الثلاثة: يضرب بسوط لا جديد
¬__________
(¬1) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: 452)، و"تفسير البغوي" (3/ 264)، و"معجم القراءات القرآنية" (4/ 234).
(¬2) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: 302)، و"معجم القراءات القرآنية" (4/ 234).
(¬3) رواه البخاري (3288)، كتاب: الأنبياء، باب: حديث الغار، ومسلم (1688)، كتاب: الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره، والنهي عن الشفاعة في الحدود، عن عائشة -رضي الله عنها-.

الصفحة 503