كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)}.

[16] {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} مُنَعَّمِيها. قراءة العامة: (أَمَرْنَا) بالقصر؛ أي: أمرناهم بالطاعةِ، وقرأ يعقوبُ: (آمَرْنَا) بالمدِّ؛ أي: كَثَّرْنا، وَ (أَمَّرْنا) بالتشديدِ سَلَّطْنا، والتلاوةُ بالأولِ والثاني (¬1).
{فَفَسَقُوا فِيهَا} فخرجوا عن الطاعةِ {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} وجبَ عليها الوعيدُ.
{فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} أهلكناها وما فيها هلاكَ استئصالٍ.
...
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)}.

[17] {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ} المكذِّبَةِ {مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} كعادٍ وثمودَ مثالٌ لقريشٍ ووعيدٌ؛ أي: لستُمْ ببعيدٍ مما حصلوا فيه من العذابِ إذْ أنتم كَذَّبْتُم نبيَّكم، والقرنُ مئةُ سنةٍ على الأصحِّ، يعضُدُه الحديثُ في قولِه عليه السلام: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي" (¬2)، وروى محمدُ بنُ القاسمِ في ختنِهِ عبدِ اللهِ بنِ بِشْرٍ قال: وضعَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على رأسِهِ وقالَ: "سَيَعِيشُ
¬__________
(¬1) انظر: "تفسير البغوي" (1/ 673)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 306).
(¬2) رواه البخاري (2509)، كتاب: الشهادات، باب: لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، ومسلم (2533)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.

الصفحة 88