كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 4)

للجنس، والحقُّ الذي يُقْتَلُ بهِ النفسُ هو ما فَسَّرَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "لاَ يَحِلُّ دَمُ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثِ خِصالٍ: كُفْر بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْ زِنىً بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ" (¬1)، وهي الحرابةُ، ومن ذلكَ الزندقةُ، ومسألةُ تركِ الصلاةِ؛ لأنها في معنى الكفرِ بعدَ الإيمانِ، ومنهُ قتلُ أبي بكرٍ مَنَعَةَ الزكاةِ، وقتلُ من امتنعَ في المدنِ من فروضِ الكفاياتِ.
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} نصبٌ على الحالِ، ومعناه: بغيرِ هذهِ الوجوهِ المذكورةِ.
{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ} أي: لقرابتِهِ الذي يَلي دمَهُ {سُلْطَانًا} تسلُّطًا على القاتلِ، إنْ شاءَ قتلَ، وإن شاءَ عفا، وإن شاءَ أخذَ الديةَ.
{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ: (تُسْرِفْ) بالخطاب لوليِّ القتيلِ، وقرأ الباقونَ: بالغيب (¬2)؛ أي: لا يُسْرِفِ الوليُّ في القتلِ، والإسرافُ: أَنْ يقتلَ غيرَ القاتلِ، أو يقتلَ اثنينِ أو أكثرَ بالواحدِ.
{إِنَّهُ} أي: الوليُّ {كَانَ مَنْصُورًا} بنصرةِ الشرعِ والسلطانِ، وقيل: الضميرُ عائدٌ على المقتولِ، ونصرُهُ قتلُ قاتلِهِ، وحصولُ الأجير له، واختارَ
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (4502)، كتاب: الديات، باب: الإمام يأمر بالعفو في الدم، والترمذي (2158)، كتاب: الفتن، باب: ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وابن ماجه (2533)، كتاب: الحدود، باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث، عن أبي أمامة -رضي الله عنه-.
(¬2) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: 380)، و"التيسير" للداني (ص: 145)، و"تفسير البغوي" (2/ 680)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 307)، و"معجم القراءات القرآنية" (3/ 320)، وثمة رواية عن ابن عامر أنه قرأ "تسرف" بالتاء.

الصفحة 97