كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 4)

وهو صريح أنهم رضي الله عنهم كانوا يرون أن طلب الدعاء ونحوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان جائزًا ما دام حيًّا بين أظهرهم، فأما بعد قبضه فلا، ولكنهم لحرصهم على طاعة الرسول وتعظيمه وعلمهم بعظم جاهه فعلوا أقصى ما يمكنهم وهو سؤال الدعاء من عمِّه. وأيضًا لم يُنقل أنَّ أحدًا من الصحابة سأل صحابيًا أفضل منه أمرًا من الأمور إلا إن كان مما يمكن تحصيله بسبب عادي، فإن لم يكن كذلك سأله الدعاء فقط. وهكذا التابعون مع الصحابة، وصغار التابعين مع كبارهم، وهلمّ جرًّا. حتى عمّ الجهل وفشت البدع، وصار الدينُ غريبًا، فوجد الشيطان الفرصةَ إلى إضلال الناس، فأخذ كلّ منهم يشرِّع من الدين ما لم يأذن به الله، ويتحكم في الدين بفعله، ويقضي فيه بحكمه، فوقع الناس فيما وقعوا فيه، فإنا لله وإنّا إليه راجعون!
فهب أنّ أحدًا من بني آدم يتصرّف في الأرض والسموات ــ كما يقولون ــ فإن الشرع لم يُبِحْ لنا سؤاله شيئًا من الأمور إلا ما هو من الأشياء العادية.
وهب أن بعض الغائبين والموتى يسمع كلام مَن كلّمه حيثما كان، فإن الشرع لم يُبح لنا أن نخاطب ميتًا ولا غائبًا.
وهؤلاء الملائكة الكرام الذين هم متصرّفون في كثير من الأشياء قطعًا لم يُشْرَع لنا سؤالهم ولا خطابهم.
ويا ترى لو أن إنسانًا أخذ يخاطب الملكين الحافظين، ويتلطّف بهما أن يكتبا حسناته ويؤخّرا كتابة سيئاته، ماذا يقول له الناس؟ !
ويا ترى لو أن إنسانًا أخذ يصيح: يا ملائكة ربي أكثروا من الاستغفار لي! [ص ١١٦] مع أن استغفار الملائكة لبني آدم ثابت بكتاب الله تعالى، قال الله

الصفحة 406