كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 4)

وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره، بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1).
وإذا كان الشكرُ غاية الخلق، فهو غاية إرسال رسوله {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (¬2). كيف لا وقد أثنى اللهُ على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر فقال عن نوح عليه السلام {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}.
قال ابن القيم: وفي تخصيص نوح هاهنا بالذكر، وخطاب العباد بأنهم ذريته إشارة إلى الاقتداء به، فإنه أبوهم الثاني، فإن الله لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلًا إلا من ذريته كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} (¬3)، فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر فإنه كان عبدًا شكورًا (¬4).
عباد الله كم من آية في كتاب الله عن الشكر نمرُّ عليها ونحن غافلون، فهل عقلنا إنما يعبد الله من شكره {وَاشْكُرُوا لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (¬5). وهل علمنا أن أول وصية وصى الله بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشكر له وللوالدين {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (¬6).
¬_________
(¬1) سورة النحل، آية: 78.
(¬2) سورة البقرة، الآيتان: 151، 152. عدة الصابرين 190.
(¬3) سورة الصافات، آية: 77.
(¬4) عدة الصابرين 189.
(¬5) سورة البقرة، آية: 172.
(¬6) سورة لقمان، آية: 14.

الصفحة 275