كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 4)

بتطبيق شرائع الإسلام وأخلاقه العالية، في وقت كانت ولا زالت الجاهليات تُضربُ أطنابها وتضلل أتباعها، ويظل الفرد في ظل هذه الجاهليات نهبًا للأهواء، قلقًا حائرًا تطارده الهموم، ويسيطر عليه التشاؤم، وربما بلغ به القلقُ مبلغه، والتشاؤم نهايته فأنهى حياته بنفسه، ظن ليستريح والحق أنها بداية للشهوة الأبدية.
لقد كان العرب قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم في ظلام وشقوة ليست الطيرة إلا واحدة من سلوكياتها الخاطئة.
والطيرة هي التشاؤم واشتقاقها من الطير، إذا كانوا يتطيرون من الغراب والأخيل ونحوهما، وكان الواحدُ منهم إذا خرج لأمر ورأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وكانوا يُسمون الطائر ذات اليمين بالسانح ويستبشرون به ويستدلون به على نجاح سفرهم وقضاء حوائجهم، كما يسمون الذي يأخذ بالشمال (البارح) فيتشاءمون به، وقد يرجعون عن السفر بسببه، أو يتوقفون عن عمل بدؤوه (¬1).
وإذا كانت الجاهليات قديمًا وحديثًا تلتقي في كثير من صور الانحراف فإن التطير وُجد عند الأمم السابقة كما قص الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من أخبارهم في القرآن، منكرًا لها ومُشنِّعًا على معتقداتها وإذا كان التطير كلُّه مرفوضًا .. فإنه يتعاظم حين يكون الأمر خيرًا واقعًا .. أو يكون المُتطير منه نبيًا مرسلًا.
أجل لقد تطير فرعون وقومه المجرمون بموسى ومن معه من المؤمنين {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا
¬_________
(¬1) عالم السحر والشعوذة، الأشقر 298.

الصفحة 293