كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 4)

سبعين شهيدًا من المسلمين (¬1)، ولم يسلم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين في هذه الغزوة إذ كُسرت رباعيته، وشُج في وجهه، وسال دمه، وكسرت البيضية على رأسه، كما ثبت ذلك في الأخبار الصحاح (¬2). ومع ذلك كلِّه فلم يتشاءم الرسول صلى الله عليه وسلم أو يتطير من هذا المكان- بل قال حين رجع من الحج، أو حين عاد من تبوك وأشرف على المدينة «هذا جبل يُحبنا ونُحبه» (¬3).
قال السهيلي يرحمه الله، كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مُشتق من «الأحدية» قال: ومع كونه مشتقًا من الأحدية، فحركات حروفه الرفع أُحُد، وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه، فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم به لفظًا ومعنى فخُصَّ من بين الجبال بذلك والله أعلم (¬4).
إخوة الإسلام، قد يسأل سائلٌ عن الفرق بين الفأل والتطير عن السرِّ في استحباب الأول وتحريم الثاني، وقد أجاب عن ذلك ابن الأثير يرحمه الله (¬5) فقال: الفألُ فيما يُرجي وقوعه من الخير، ويَحسُن ظاهره ويَسُر والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء، وإنما أحبَّ النبي صلى الله عليه وسلم الفأل لأن الناس إذا أمَّلوا فائدة من الله ورجوا عائدته عند كلِّ سببٍ ضعيفٍ أو قوي، فهم على خير، وإن لم يدركوا ما أملوا فقد أصابوا في الرجاء من الله وطلب ما عنده، وفي الرجاء لهم خيرٌ مُعجَّل، ألا ترى أنهم إذا قطعوا أملهم ورجاءهم من الله كان ذلك من الشر؟
فأما الطيرة فإن فيها سوءَ الظنِّ، وقطعَ الرجاءِ، وتوقع البلاء، وقنوط النفسِ
¬_________
(¬1) البخاري، ح 4043.
(¬2) البخاري ومسلم، انظر: مهدي رزق الله 1/ 390، 397.
(¬3) الفتح 7/ 378.
(¬4) الفتح 7/ 378، وهو في الروض الأنف 5/ 449، 450 أطول من هذا.
(¬5) جامع الأصول 7/ 631.

الصفحة 310